صلاته الصبح، لا أن ذلك وقت ابتداء الاعتكاف، بل كان من قبل المغرب معتكفًا لابثًا في المسجد، فلما صلى الصبح انفرد.
4 - (ومنها): بيان جواز أن يقال: رمضان من غير ذكر الشهر، وبه قال البخاريّ، ونقله النوويّ عن المحققين، قالوا: ولا كراهة في ذلك.
وقالت طائفة: لا يقال: رمضان على انفراده، وإنما يقال: شهر رمضان، وهو قول المالكية، وتعلقوا في ذلك بأن رمضان اسم من أسماء الله تعالى، فلا يُطْلَق على غيره إلَّا أن يُقَيَّد، وقال أكثر أصحاب الشافعيّ، وابن الباقلانيّ: إن كانت قرينة تصرفه إلى الشهر فلا كراهة، دالا فيكره، فيقال: صمنا رمضان، ونحوه، ويكره جاء رمضان ونحوه، فهذه ثلاثة مذاهب.
قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: والأول هو الصواب، والمذهبان الأخيران فاسدان؛ لأن الكراهة إنما تثبت بنهي شرعيّ، ولم يثبت فيه نهيّ، وقولهم: إنه اسم من أسماء الله تعالى ليس بصحيح، ولم يصح فيه شيء، وإن كان قد جاء فيه أثر ضعيف، وأسماء الله تعالى توقيفيةٌ، لا تطلق إلَّا بدليل صحيح، ولو ثبت أنه اسم لَمْ يلزم منه كراهة. انتهى كلام النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -، وهو تحقيقٌ حسنٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.
5 - (ومنها): أن في قول عائشة - رضي الله عنها -: "حتى قبضه الله" استمرار هذا الحكم، وعدم نسخه، وأكدت ذلك بقولها: "ثم اعتكف أزواجه من بعده"، فأشارت إلى استمرار حكمه حتى في حقّ النساء، فكُنّ أمهاتُ المؤمنين يعتكفن بعد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من غير نكير، وإن كان هو في حياته قد أنكر عليهنّ الاعتكاف بعد إذنه لبعضهنّ، كما هو في الحديث الصحيح، فذاك لمعنى آخر، وهو كما قيل: خوف أن يكنّ غير مُخْلِصات في الاعتكاف، بل أردن القُرْب منه - صلى الله عليه وسلم - لغيرتهن عليه، أو لغيرته عليهنّ، أو ذهاب المقصود من الاعتكاف بكونهنّ معه في المعتكَف، أو لتضييقهن المسجد بأبنيتهن، والله أعلم.
6 - (ومنها): أن فيه استحبابَ الاستمرار على ما اعتاده من فعل الخير، وأنه لا يقطعه، وقد قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عمرو: "يا عبد الله لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فتركه"، متّفقٌ عليه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.