(المسألة الثالثة): في فوائده:
1 - (منها): بيان استحباب الاعتكاف في الجملة، وهو مجمع عليه، كما حكاه غير واحد، وحَكَى ابن العربيّ عن أصحابهم أنهم يقولون في كتبهم: الاعتكاف جائز، قال: وهو جهل. انتهى.
وفي "سنن ابن ماجة" عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في المعتكف: "هو يعكف الذنوب، ويجرى له من الحسنات كعامل الحسنات كلها"، وهو ضعيف؛ لأن في سنده فَرْقدًا السَّبَخيّ ضعيف.
ورَوَى أبو الشيخ في "فضائل الأعمال" عن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: خبّرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنه من اعتكف يومًا وليلة يريد بذلك وجه الله خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه"، وهو أيضًا ضعيف.
2 - (ومنها): بيان تأكده في العشر الأواخر من رمضان، وسببه طلب ليلة القدر، فإنها عند الجمهور منحصرة في العشر الأخير، وقد تقدّم أدلّة ذلك في أحاديث الباب الماضي.
3 - (ومنها): أن قوله: "في العشر الأواخر" هي الليالي، وكان يعتكف الأيام معها أيضًا، فلم يكن يقتصر على اعتكاف الليالي، وإنما اقتصر على ذكرها على عادة العرب في التأريخ بها، وهذا يدلّ على دخوله محل الاعتكاف قبل غروب الشمس ليلة الحادي والعشرين، وإلا لَمْ يكن اعتكف عشرًا، أو شهرًا، وبه قال الأئمة الأربعة، وحكاه الترمذيّ عن الثوريّ.
وقال آخرون: بل يبدأ العشر بكمالها، وهذا هو المعتبر عند الجمهور لمن أراد الاعتكاف من أول النهار، وهو قول الأوزاعيّ، وأبي ثور، وإسحاق ابن راهويه، وابن المنذر - رَحِمَهُ اللهُ -، والليث بن سعد في أحد قوليه، وحكاه الترمذيّ عن أحمد بن حنبل، وحكاه النوويّ في "شرحه" عن الثوريّ، وصححه ابن العربيّ، وقال ابن عبد البرّ: لا أعلم أحدًا من فقهاء الأمصار قال به إلَّا الأوزاعيّ، والليث، وقال به طائفة من التابعين. انتهى.
واحتجّوا بحديث عائشة - رضي الله عنها - الآتي في الباب التالي: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يعتكف صلى الصبح، ثم دخل مُعتَكفه"، متّفقٌ عليه.
وتأوله الجمهور على أنه دخل المعتكَف، وانقطع فيه، وتخلى بنفسه بعد