(إِلَّا التُّرَابُ) أي تراب القبر، قال القاري رحمهُ اللهُ: فيه تنبيه نَبِيه على أن البخل الْمُوَرِّث للحرص مركوز في جِبِلّة الإنسان، كما أخبر الله عزَّ وجلَّ عنه في القرآن، حيث قال أبلغ من هذا الحديث: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100)} [الإِسراء: 100]، فهذا يدلّ على أن حرص ابن آدم، وخوفه من الفقر الباعث له على البخل، حتى على نفسه أقوى من الطير الذي يموت عَطَشًا على ساحل البحر؛ خوفًا من نفاده، ومن الدودة التي قُوتُها التراب، وتموت جوعاً خشية من فراغه؛ لأن ما ذُكر من الماء والتراب في جنب خزائن رحمة رب الأرباب كقطرة من السحاب. انتهى (?).
(وَيَتُوبُ اللهُ) أي يرجع بالرحمة (عَلَى مَنْ تَابَ") أي رجع إليه بطلب العصمة، أو يتفضل الله بتوفيق التوبة، وتحقيق استعادة العقبى على من تاب؛ أي من محبة الدنيا، والغفلة عن حضرة المولى.
قال النوويّ رحمهُ اللهُ: معنى "لا يملأ جوفه إلا التراب" أنه لا يزال حريصًا على الدنيا حتى يموت، ويمتلئ جوفه من تراب قبره، وهذا الحديث خرج على حكم غالب بني آدم في الحرص على الدنيا، ويؤيده قوله: "ويتوب الله على من تاب"، وهو متعلِّق بما قبله، ومعناه: أن الله تعالى يقبل التوبة من الحرص المذموم، وغيره من المذمومات (?).
وقال في "الفتح": قوله: "ويتوب الله على من تاب" أي إن الله يقبل التوبة من الحريص، كما يقبلها من غيره، قيل: وفيه إشارة إلى ذمّ الاستكثار من جمع المال، وتمني ذلك، والحرص عليه؛ للإشارة إلى أن الذي يترك ذلك يُطلَق عليه أنه تاب.
ويَحْتَمِل أن يكون تاب بالمعنى اللغويّ، وهو مطلق الرجوع؛ أي رَجَع عن ذلك الفعل والتمني. انتهى (?).
وقال الطيبيّ رحمهُ اللهُ -بعد نقل كلام النوويّ المتقدّم-: أقول: ويمكن أن