من ذهب وفضة، لابتغى الثالث"، وله من حديث جابر بلفظ: "لو كان لابن آدم وادي نخل". انتهى (?).
(لَابْتَغَى) بالغين المعجمة، وهو افتعالٌ، بمعنى الطلب، ومثله في حديث زيد بن أرقم، وفي الرواية الثانية: "أحبّ"، وفي حديث ابن عبّاس: "لأحبّ"، وقال في حديث أنس: "لتمنى مثله، ثم تمنى مثله، حتى يتمنى أوديةً" (وَادِيًا ثَالِثًا) أي واديًا آخر أعظم منهما ذُخْرًا، وهَلُمّ جَرًّا، كما يشير إليه بقوله: (وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ) أي بطنه، وفي رواية حجاج بن محمد، عن ابن جريج عند الإسماعيليّ: "نفس" بدل "جوف"، وفي حديث جابر كالأول، وفي مرسل جُبير بن نُفير: "ولا يُشْبع -بضم أوله- جوف"، وفي حديث ابن الزبير: "ولا يَسُدّ جوف"، وفي رواية عند البخاريّ: "ولا يملأ عين"، وفي حديث أنس فيه: "ولا يملأ فاه"، ومثله في حديث أبي واقد عند أحمد، وله في حديث زيد بن أرقم: "ولا يملأ بطن".
قال الكرمانيّ رحمهُ اللهُ: ليس المراد الحقيقة في عضو بعينه بقرينة عدم الانحصار في التراب؛ إذ غيره يملؤه أيضًا، بل هو كناية عن الموت؛ لأنه مستلزم للامتلاء، فكأنه قال: لا يشبع من الدنيا حتى يموت، فالغرض من العبارات كلها واحد، وهي من التفنن في العبارة.
وتعقّبه الحافظ رحمهُ اللهُ فقال: وهذا يَحْسُن فيما إذا اختلفت مخارج الحديث، وأما إذا اتحدت فهو من تصرف الرواة، ثم نسبة الامتلاء للجوف واضحة، والبطنُ بمعناه، وأما النفس فعبّر بها عن الذات، وأطلق الذات وأراد البطن، من إطلاق الكل وإرادة البعض، وأما النسبة إلى الفم، فلكونه الطريق إلى الوصول للجوف، وَيحْتَمِل أن يكون المراد بالنفس العين، وأما العين فلأنها الأصل في الطلب؛ لأنه يَرَى ما يُعجبه فيطلبه؛ ليحوزه إليه، وخص البطن في أكثر الروايات؛ لأن أكثر ما يُطلب المال لتحصيل المستلذات، وأكثرها يكون للأكل والشرب. انتهى (?).