وقال الفيّوميّ: والسَّدَادُ -بالكسر-: ما تُسدّ به القارورة وغيرها، وسِدَاد الثَّغْر -بالكسر- من ذلك، واختلفوا في سِدَادٍ من عيشي، وسِدَاب من عَوَزٍ لما يُرمَق به العيش، وتُسدّ به الْخَلَّة، فقال ابن السَّكِّيت، والفارابيّ، وتبعه الجوهريّ: بالفتح، والكسر، واقتصر الأكثرون على الكسر، منهم ابن قُتيبة، وثعلبٌ، والأزهريّ؛ لأنه مستعار من سِدَاد القارورة، فلا يُغيّر، وزاد جماعةٌ، فقالوا: الفتح لحنٌ، وعن النضر بن شُمَيلٍ: سِدَادٌ من عَوَزٍ؛ إذا لم يكن تامًّا، ولا يجوز فتحه، ونَقَل في "البارع" عن الأصمعيّ: سِدَاد من عَوَزٍ بالكسر، ولا يقال: بالفتح، ومعناه: إن أعوز الأمر كلُّهُ ففي هذا ما يَسُدُّ بعضَ الأمر. انتهى كلام الفيّوميّ (?).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن الصواب في قوله: "سِدَادًا من عيش" في هذا الحديث بالكسر، وإن جوّز بعضهم الفتح فيه أيضًا، والله تعالى أعلم.
وقال الطيبيّ رحمه الله: أقول: بالغ في الكفّ عن المسألة حتى شبّه السائل بالمضطرّ الذي يَحِلّ له أكل الميتة إلى أن يسُدّ رمقه، وأبلغ منه قوله: "حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجى" حيث "يقوم" وُضع موضع "يقول"؛ لأن قوله: "لقد أصابت فلانًا فاقةٌ" مقول للقول، فلا يناسب أن يقال: "يقوم لقد أصابت فلانًا فاقةٌ"، لكن لاهتمام الشأن وَضَعَ "يقوم" بدل "يقول"، جاعلًا المقول حالًا؛ أي يقوم ثلاثة قائلين هذا القول، ولمزيد الاهتمام أبرزه في معرض القسم، وقيّدهم بذوي العقول حتى لا يشهدوا عن تخمين، وجعلهم من قومه؛ لأنهم أعلم بحاله. انتهى (?).
(وَرَجُلٌ) يجوز فيه أوجه الإعراب الثلاثة، كسابقيه (أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ) اسم من افتاق يفتاق: إذا احتاج. أي رجلٌ كان غنيًّا موسرًا، ثم افتقر، وأصابته حاجة، ولم يُعرَف حاله (حَتَّى يَقُومَ ثَلَانة) وفي رواية النسائيّ: "حَتَّى يَشْهَدَ ثَلَاثَةٌ"، قال النوويّ رحمه الله: هكذا في جميع النسخ -أي نسخ صحيح مسلم"-: "حتى يقوم ثلاثة"، وهو صحيح؛ أي يقومون بهذا الأمر، فيقولون: لقد أصابته فاقة.