قال في "الفتح": معنى الحديث: أفضل الصدقة ما وقع من غير محتاج إلى ما يتصدق به لنفسه، أو لمن تلزمه نفقته.
قال الخطابيّ: لفظ الظهر يَرِدُ في مثل هذا إشباعًا للكلام، والمعنى: أفضل الصدقة ما أخرجه الإنسان من ماله بعد أن يستبقي منه قدر الكفاية، ولذلك قال بعده: "وابدأ بمن تعول".
وقال البغويّ: المراد غِنًى يَستَظهِر به على النوائب التي تنوبه، ونحوه قولُهُم: رَكِبَ متن السلامة، والتنكير في قوله: "غِنًى" للتعظيم، هذا هو المعتمد في معنى الحديث. وقيل: المراد خير الصدقة ما أغنيت به من أعطيته عن المسألة.
وقيل: "عن" للسببية، والظهر زائد؛ أي خير الصدقة ما كان سببها غِنًى في المتصدق (?).
وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى": أي ما كان من الصدقة بعد القيام بحقوق النفس، وحقوق العيال. وقال الخطّابيّ: أي متبرّعًا، أو عن غئًى يعتمده، ويستظهر به على النوائب. والتأويل الأول أولى، غير أنه يبقى علينا النظر في درجة الإيثار التي أثنى الله بها على الأنصار؛ إذ قال: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} الآية [الحشر: 9]، وقد روي أن هذه الآية نزلت بسبب رجل من الأنصار ضافه ضيفٌ، فنَوّمَ صبيانه، وأطفأ السّراج، وآثر الضيف بقوْتهم (?)، وكذلك قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} الآية [الإنسان: 8]. أي على شدّة الحاجة إليه، والشهوة له، ولا شكّ أن صدقةَ مَن هذه حاله أفضل. وفي حديث أبي ذرّ -رضي الله عنه-: "أفضل الصدقة جهد مقلّ" (?)، وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "سبق درهم مائة ألف ... " (?).
فقد أفاد مجموع ما ذكرنا أن صدقة المؤثر، والمقلّ أفضل، وحينئذ يثبت