وذكّروهم به عند الموت، وسماهم - صلى الله عليه وسلم - موتى؛ لأن الموت قد حضرهم، وتلقين الموتى هذه الكلمةَ سنّة مأثورة، عَمِلَ بها المسلمون، وذلك ليكون آخر كلامه "لا إله إلَّا الله"، فيُختم له بالسعادة، وليدخل في عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان آخر كلامه لا إله إلَّا الله دخل الجنّة" (?)، وليُنبّه المحتضر على ما يدفع به الشيطان، فإنه يتعرّض للمحتضر ليُفسد عليه عقيدته، فإذا تلقّنها المحتضر، وقالها مرّة واحدة، فلا تُعاد عليه، لئلّا يَضجَرَ، وقد كره أهل العلم الإكثار عليه من التلقين، والإلحاح عليه إذا هو تلقّنها، أو فُهِم عنه ذلك، وفي أمره - صلى الله عليه وسلم - بتلقين الموتى ما يدلّ على تعيّن الحضور عند المحتضر؛ لتذكيره، وإغماضه، والقيام عليه، وذلك من حقوق المسلم على المسلمين، ولا خلاف في ذلك. انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (?).
وقال القاري - رَحِمَهُ اللهُ -: الجمهور على أنه يُندب هذا التلقين، وظاهر الحديث يقتضي وجوبه، وذهب إليه جمع، بل نقل بعض المالكية الاتفاق عليه. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الظاهر قول من قال بالوجوب؛ لصريح الأمر في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لقّنوا"، والذين قالوا بالندبية لَمْ يذكروا له صارفًا عن الوجوب، فتأمل، والله تعالى أعلم.
[فائدة]: قد رَوَى ابن أبي حاتم في ترجمة أبي زرعة أنه لَمّا احتُضِر أرادوا تلقينه، فتذكروا حديث معاذ - رضي الله عنه -، فحدثهم به أبو زرعة بإسناده، وخرجت روحه في آخر قول: "لا إله إلَّا الله"، هكذا ذكر في "الفتح" (?).
ونصّه في "تقدمة الجرح والتعديل": حدّثنا عبد الرَّحمن، قال: سمعت أبي يقول: مات أبو زرعة مطعونًا مبطونًا، يعرق جبينه في النزع، فقلت لمحمد بن مسلم: ما تحفظ في تلقين الموتى "لا إله إلَّا الله"؟ فقال محمد بن مسلم: يُرْوَى عن معاذ بن جبل، فَمِنْ قبل أن يستتم رَفَع أبو زرعة رأسه، وهو في النزع، فقال: رَوَى عبد الحميد بن جعفر، عن صالح بن أبي عَرِيب، عن كَثِير بن مرّة، عن معاذ، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "من كان آخر كلامه لا إله إلَّا الله،