ويدلّ عليه أن ابن حبّان رَوَى هذا الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - باللفظ المذكور، وزاد: "فإنه من كان آخر كلامه: لا إله إلَّا الله، دخل الجنّة يومًا من الدهر، وإن أصابه ما أصاب قبل ذلك" (?).
قيل: معنى"التلقين" أن يُذكَرَ له "لا إله إلَّا الله"، ويُتلفّظ به بحضرته، حتى يسمع، فيتفطّن، فيقوله، ولا يؤمر به، إلَّا أن يكون كافرًا، فيقال له: قل: لا إله إلَّا الله، كما قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك لعمه أبي طالب، وللغلام اليهوديّ الذي كان يخدمه - صلى الله عليه وسلم -.
والمقصود من التلقين أن يكون آخر كلامه: لا إله إلَّا الله، ولذا قالوا: إذا قال مرّة لا تُعاد عليه، إلَّا أن يتكلّم بكلام آخر.
ذكر الإمام الترمذيّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "الجامع" أنه رُوي عن ابن المبارك أنه لما حضره الوفاة جَعَل رجل يلقنه لا إله إلَّا الله، ويكثر عليه، فقال له عبد الله: إذا قلتُ ذلك مرّة، فأنا على ذلك ما لَمْ أتكلّم بكلام. انتهى.
وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وأجمع العلماء على هذا التلقين، وكرهوا الإكثار عليه، والموالاة؛ لئلا يَضجَرَ بضيق حاله، وشدّة كربه، فيكره ذلك بقلبه، ويتكلّم بما لا يليق. انتهى.
وقال في "الفتح": قال الزين ابن الْمُنَيِّر: هذا الخبر -يعني: "من كان آخر كلامه لا إله إلَّا الله دخل الجَنَّة" - يتناول بلفظه من قالها، فبغته الموت، أو طالت حياته لكن لَمْ يتكلم بشيء غيرها، ويُخرِج بمفهومه من تكلم لكن استصحب حكمها من غير تجديد نطق بها، فإن عَمِل أعمالًا سيئة كان في المشيئة، وإن عمل أعمالا صالحةً فقضية سعة رحمة الله أن لا فرق بين الإسلام النطقيّ والحكميّ المستصحب، والله أعلم. انتهى.
ثم ذكر قصّة ابن المبارك المذكورة، ثم قال: وهذا يدلُّ على أنه كان يرى التفرقة في هذا المقام، والله أعلم. انتهى (?).
وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "لقنوا موتاكم ... إلخ" أي: قولوا لهم ذلك،