والجواب أن فائدة ذكر الحياة دفع توهّم من يقول: لا يلزم من نفي كونه سبباً للفقد أن لا يكون سبباً للإيجاد، فعمّم الشارع النفي؛ لدفع هذا التوهّم. انتهى (?).
وتعقّبه الصنعانيّ -رَحِمَهُ اللهُ-، فقال: لا يخفى أن في كلام الحافظ بحثين:
الأول أن القائلين: "كَسَفت الشمس لموت إبراهيم" جعلوا الكسوف مُسبّباً عن موته، لا سبباً، كما قاله الحافظ.
الثاني: أن التوهّم بالكسوف يكون سبباً للإيجاد فيه البحث الأول؛ إذ الكلام في المسبّب لا في السبب، ثم إن كون الكسوف سبباً للإيجاد ليس بمعروف عن العرب، ولا عن غيرهم، ولا مناسبة لذلك أصلاً حتى يُتوهّم، فإنه إنما حصل توهّم أن الكسوف سببٌ عن موت عظيم من عظماء أهل الأرض؛ لأن موته تغيّرٌ في العالم السفليّ، فيناسبه تغيّر في العالم العلويّ، وأعظم آيات السماء المشاهدة الشمس والقمر، فتغيّر نورهما يناسب توهّم أنه لتغثر الأرض بموت عظيم من العظماء، فإن موته يُحدث في الأرض ظلمة معنويّة، كما قال أنس - رضي الله عنه -: "لما كان اليوم الذي مات فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أظلم من المدينة كلُّ شيء"، وهو كثير في المراثي والأشعار، وحينئذ يظهر ما تخيّلوه، وتوهّموه من مناسبة الكسوف لموت عظيم من عظماء الأرض، وأما توهّم أنه يكون كسوفهما مسبّباً عن إيجاد عظيم من عظماء الأرض مثلاً، أو خلوصه من عفة يُخاف عليه منها، أو نحو ذلك، فلا مناسبة لتوهّمه أصلاً، ولا وقع هذا التوهّم لأحد، بل وجوده وعافيته مثلًا تناسب زيادة أنوارهما، وظهور إشراقهما؛ لأن إيجاد العظيم يحدث للأرض وأهلها أنواراً وسُرُوراً، ولذا أضاءت الأنوار بمولده - صلى الله عليه وسلم - على ما قيل في أحاديث المولد، فيناسبه زيادة أنوارهما، وإضاءة العالم، كما قيل [من البسيط]:
ثَلَاثَةٌ تُشْرِقُ الدُّنْيَا بِبَهْجَتِهَا ... شَمْسُ الضُّحَى وَأَبُو إِسْحَاقَ وَالْقَمَرُ
فجَعَل مَن تُشرق الدنيا بوجوده ودولته ثالث النيّرين، ولا يُعرف عن ذي عقل جعل إيجاد عظيم من عظماء الأرض سبباً لكسوف أحد النيّرين.