إذا عرفت هذا عرفت ضعف ما ذكره في "الفتح" أو بطلانه.
ثم أبدى الصنعانيّ -رَحِمَهُ اللهُ- ما ظهر له في نكتة زيادة "ولا لحياته" إلى "لموت أحد"، فقال: أراد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الاستدلال عليهم في ردّ ما زعموه من أن الكسوف سبب عن موت إبراهيم؛ أي: كما أنها لا تكسف لحياة أحد، ولا يقولونه، ولا يتوهّمونه كذلك لا تنكسف لموته، فكما أنه لا مناسبة عقليّة ولا عاديّة، ولا تخييليّة بين الكسوف والحياة كذلك لا يكسفان لموت أحد كما يتخيّلونه من المناسبة في ذلك، فكما أن هذا باطلٌ بإقراركم فكذلك هنا.
وحاصله أنه - صلى الله عليه وسلم - ساق ما لم يدّعوه في نفيه مساق ما ادّعوه لكونه سبباً في الحكم في النفي، ونظيره ما ذكره أئمة التفسير في قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34]، فإنه تعالى نفى الاستقدام؛ أي: طلب التقدّم مع أنه معلوم عقلاً إحالته، وأنه لا يُتصوّر طلبه، وضمّه إلى نفي التأخّر الممكن عقلاً؛ إعلاماً بأنه قد صار الممكن كالمحال لبيان حاله.
وحاصله أنه قد يُضمّ الممكن إلى المحال لبيان إحالة الممكن، ويُضمّ الواقع إلى غير الواقع؛ لبيان عدم وقوعه، كذلك هنا ضمّ ما لم يقولوه، ولا تخيّلوه في النفي إلى ما قالوه وتخيّلوه؛ لبيان أنهما سواء في الحكم المنفيّ، أحدهما لعدم ادّعائهم له وتخيّلهم، والثاني لنفي الشارع؛ أي: كما أنكم لا تدّعون هذا، فلا تدّعوا هذا. انتهى كلام الصنعانيّ -رَحِمَهُ اللهُ- ببعض تصرّف (?)، وهو تحقيقٌ مفيدٌ.
(فَإذَا رَأَيْتُمُوهُمَا) أي: رأيتم الشمس والقمر مكسوفين؛ أي: إذا رأيتم كسوف أَيِّ منهما، قيل: لا يقع كسوفهما معاً.
وقال في "الفتح": والمعنى: إذا رأيتم كسوف كلّ منهما؛ لاستحالة وقوع ذلك فيهما معاً في حالة واحدة عادةً، وان كان ذلك جائزاً في القدرة الإلهيّة. انتهى (?).