وبين النساء لَمّا فَتَحَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مكة، وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لَمّا فَرَغَ من أمر الفتح اجتَمَعَ الناس للبيعة، فجَلَس يبايعهم على الصفا، ولَمّا فَرَغ من بيعة الرجال بايع النساء، وذَكَرَ لهنّ ما ذَكَر الله في الآية المذكورة، قاله في "العمدة" (?).
(ثُمَّ قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (حِينَ فَرَغَ مِنْهَا) أي: قراءة الآية المذكورة، وقوله: ("أَنْتُنَّ عَلَى ذَلِكِ؟ ") مقول "قال"، والخطاب للنساء، و (أَنْتُنَّ) بتقدير همزة الاستفهام؛ أي: أأنتنّ (عَلَى ذَلِكِ؟ ) بكسر الكاف؛ خطابًا للأنثى؛ أي: أنتنّ على ما ذُكِر في هذه الآية؟ (فَقَالَتِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، لَمْ يُجِبْهُ غَيْرُهَا مِنْهُنَّ) أي: من النساء اللاتي حضرن خطبته -صلى الله عليه وسلم-، وقوله: (نَعَمْ يَا نَبِيَّ اللهِ) مقول "قلت"؛ أي: نعم، نحن على ذلك.
وفيه دلالة على الاكتفاء في الجواب بـ "نَعَم"، وتنزيلها منزلة الإقرار، وأن جواب الواحد عن الجماعة كافٍ؛ إذا لم يُنكِروا، ولم يمنع مانع من إنكارهم (?).
(لَا يُدْرَى حِينَئِذٍ مَنْ هِيَ؟ ) قال النوويّ رحمهُ اللهُ: هكذا وقع في جميع نسخ "صحيح مسلم": "حينئذ"، وكذا نقله القاضي عن جميع النسخ، قال هو وغيره: وهو تصحيفٌ، وصوابه: "لا يَدري حَسَنٌ من هي؟ "، وهو حسن بن مسلم راويه عن طاوس، عن ابن عباس، ووقع في "صحيح البخاريّ" على الصواب، من رواية إسحاق بن نصر، عن عبد الرزاق: "لا يَدري حسنٌ من هي؟ ".
قال النوويّ رحمهُ اللهُ: ويَحْتَمِلُ تصحيح "حينئذ"، ويكون معناه: لكثرة النساء، واشتمالهنّ ثيابَهُنَّ لا يدرى من هي؟ . انتهى (?).
وقد تعقّب الحافظ تصحيح النووي المذكور، فقال بعد ذكر كلامه: لكن اتّحاد المخرج دالّ على ترجيح رواية الجماعة، ولا سيما وجودُ هذا الموضع في "مصنَّف عبد الرزاق" الذي أخرجه مسلم من طريقه كالبخاريّ موافقًا لرواية الجماعة، والفرق بين الروايتين أن في رواية الجماعة تعيين الذي لم يدر مَنِ المرأة؟ ، بخلاف رواية مسلم.