أيضًا، فاين دليل عدم إباحة القطع؟ بل هنا اخلاف الثابت في السنّة، فقد سبق أنه -صلى الله عليه وسلم- قال له رجل في أثناء الخطبة: يا رسول الله رجلٌ غريبٌ جاء يسأل عن دينه، لا يدري ما دينه؟ ، فأقبل عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وترك خطبته حتى انتهى إليه، فأُتي بكرسيّ، فقعد عليه، وجعل يعلّمه مما علّمه الله، ثم أتى خطبته، فأتم آخرها، فهل بعد هنا اتطلب البيّنة؟ إن هذا لهو العجب.

(الرابعة): قوله في كلام عطاء: "غير موافَق عليه"، فيه نظر أيضًا، بل غير الموافق هو القاضي عياض، فإن ما قاله عطاء رحمهُ اللهُ هو الموافق للسنّة، ولذلك عقد الإمام البخاريّ رحمهُ اللهُ في "صحيحه" له بابًا، فقال: "باب موعظة الإمام النساء يوم العيد"، ثم أورد حديث جابر الآتي، وفي آخره قول عطاء هذا.

والحاصل أن مشروعيّة موعظة الإمام النساء في الخطبة هو الحقّ، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

(كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ) أي: إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (حِينَ يُجَلِّسُ الرِّجَالَ بِيَدِهِ) بتشديد الجيم، من التجليس؛ أي: يأمرهم بالجلوس، مشيرًا إليهم بيده، وكأنهم لَمّا انتَقَل -صلى الله عليه وسلم- عن مكان خطبته أرادوا الانصراف، فأمرهم بالجلوس حتى يفرُغ من حاجته، ثم ينصرفوا جميعًا، أو لعلهم أرادوا أن يتبعوه فمنعهم، وأمرهم بالجلوس (?). (ثُمَّ أَقْبَلَ) بالبناء للفاعل؛ أي: توجّه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (يَشُقُّهُمْ) أي: يشقّ صفوف الرجال الجالسين (حَتَّى جَاءَ النِّسَاءَ، وَمَعَهُ بِلَالٌ) جملة في محلّ نصب على الحال من الفاعل (فَقَالَ) أي: قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، بمعنى تلا قوله تعالى: ({يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12]، فَتَلَا هَذ الْآيَةَ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا) أي: انتهى من قراءة الآية بتمامها.

وإنما تلا النبيّ -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية الكريمة؛ ليُذَكِّرهنّ البيعة التي وقعت بينه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015