الجمعة (فَصَلَّيْتُ) أي: النافلة من غير فاصل بينها وبين الفرض (فَلَمَّا دَخَلَ) أي: معاوية -رضي الله عنه- بيته (أَرْسَلَ إِلَيَّ) أي: للحضور عنده حتى يُبين له خطأه (فَقَالَ: لَا تَعُدْ) بفتح أوله، وضمّ ثانية، من العودة؛ أي: لا ترجع (لِمَا فَعَلْتَ) أي: من وصل النافلة بالفريضة في محلّ واحد (إِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ، فَلَا تَصِلْهَا) بفتح أوله، وسكون ثانية، مضارع وَصَلَ الشيءَ بغيره (بِصَلَاةٍ حَتَّى تَكَلَّمَ) بحذف إحدى التاءين، وأصله حتى تتكلّم، كما قال في "الخلاصة":
وَمَا بتَاءَيْنِ ابْتُدِي قَدْ يُقْصَرْ ... فِيهِ عَلَى تَا كَـ"تَبَيَّنُ الْعِبَرْ"
(أَو تَخْرُجَ) بفتح أوله، وضمّ ثالثه من الخروج؛ أي: تنتقل من محلّ الجمعة إلى محلّ آخر من المسجد، ويؤيّد هذا قوله: "حتى تكلَّم"؛ لأن التكليم يكون في المسجد.
ويَحْتَمِلُ أن يكون المراد الخروج من المسجد، فيكون المراد أداء سنّة الجمعة في البيت، وهذا يؤيّده عموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "صلُّوا في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"، وكذا فعله -صلى الله عليه وسلم-، كما سبق في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، والاحتمال الأول أقرب، والله تعالى أعلم.
ثمِ ذكر معاوية -رضي الله عنه- دليلًا ما قاله بالفاء التعليليّة، فقال: (فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَنَا بِذلِكَ) أي: بما ذُكر من التكليم، أو الخروج، وقوله: (أَنْ لَا تُوصَلَ صَلَاةٌ بِصَلَاةٍ) عطف بيان، أو بدل من اسم الإشارة.
قال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: قوله: "ألا توصل بصلاة" هكذا وقع في إحدى الروايتين، وقد رُوي: "ألا نُوصل صلاةً"، فالأولى: "تُوصَلَ" بالتاء مبنيًّا لما لم يُسمَّ فاعله، وفيه ضمير هو المفعول الذي لم يُسمّ فاعله، و"بصلاة" مُتعلّق به، فعلى هذا يكون النهي مخصوصًا بالجمعة لفظًا، والرواية الأخرى: "نُوصِلَ" بالنون مبنيًّا للفاعل، و"صلاة" مفعول، وهذا اللفظ يعُمّ جميع الصلوات. انتهى (?).
(حَتَّى نَتَكَلَّمَ، أَوْ نَخْرُجَ) بنون المتكلّم، وفي رواية أبي داود: "حتى تتكلّم، أو تخرج" بتاء الخطاب.
قال البيهقيّ رحمهُ اللهُ في "معرفة السنن والآثار" بعد إخراجه هذا الحديث: