الْبَدَنَةِ لِلْحَجِّ أَوْ الشَّاةِ، وَقَدَّمْنَاهُ وَالثَّانِي فِي وُجُوبِ شَاةٍ لِلْعُمْرَةِ فَاَلَّذِي اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ والإسبيجابي أَنَّهُ يَجِبُ شَاةٌ لِلْعُمْرَةِ وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الْوَبَرِيُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِأَجْلِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ إحْرَامِهَا بِالْحَلْقِ وَبَقِيَ إحْرَامُ الْحَجِّ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَاسْتَشْكَلَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَكَذَا فِي الْعُمْرَةِ وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ لَمْ يُعْهَدْ بِحَيْثُ يَتَحَلَّلُ مِنْهُ بِالْحَلْقِ مِنْ غَيْرِ النِّسَاءِ وَيَبْقَى فِي حَقِّهِنَّ بَلْ إذَا حَلَقَ بَعْدَ أَفْعَالِهَا حَلَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا عُهَد ذَلِكَ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ فَإِذَا ضُمَّ إحْرَامُ الْحَجِّ إلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ اسْتَمَرَّ كُلٌّ عَلَى مَا عُهِدَ لَهُ فِي الشَّرْعِ فَيَنْطَوِي بِالْحَلْقِ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ بِالْكُلِّيَّةِ فَالصَّوَابُ مَا عَنْ الْوَبَرِيِّ. اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا الْأَكْثَرَ وَتَفْسُدَ وَيَمْضِيَ وَيَقْضِيَ) أَيْ لَوْ جَامَعَ فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ لَزِمَهُ شَاةٌ، وَفَسَدَتْ عُمْرَتُهُ كَمَا لَوْ جَامَعَ فِي الْحَجِّ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِجَامِعِ حُصُولِهِ قَبْلَ إدْرَاكِ الرُّكْنِ فِيهِمَا وَيَمْضِي فِي فَاسِدِهَا كَمَا يَمْضِي فِي صَحِيحِهَا، وَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا (قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَ طَوَافِ الْأَكْثَرِ، وَلَا فَسَادَ) أَيْ لَوْ جَامَعَ بَعْدَ مَا طَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ لَزِمَهُ شَاةٌ، وَلَا تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالرُّكْنِ فَصَارَ كَالْجِمَاعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ بَدَنَةٌ كَمَا فِي الْحَجِّ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ يُتِمُّ فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَمَّا فِي غَيْرِهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا نَفْلٌ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَاجِبٌ بَعْدَهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: نَفْلُ الْحَجِّ أَقْوَى مِنْ نَفْلِ الْعُمْرَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْجِمَاعَ فِي الْحَجِّ بَعْدَ الْوُقُوفِ يَكُونُ قَبْلَ أَدَاءِ بَقِيَّةِ أَرْكَانِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ الطَّوَافُ، وَهُوَ رُكْنٌ فَتَغَلَّظَتْ الْجِنَايَةُ فَتَغَلَّظَ الْجَزَاءُ بِخِلَافِهِ بَعْدَ طَوَافِ الْأَكْثَرِ فِي الْعُمْرَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إلَّا الْوَاجِبَاتُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْبَدَنَةِ لَوْ جَامَعَ قَبْلَ طَوَافِ الْأَكْثَرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَشَمَلَ قَوْلُهُ: بَعْدَ طَوَافِ الْأَكْثَرِ مَا إذَا طَافَ الْبَاقِيَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَوَّلًا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْحَلْقِ وَتَرَكَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ؛ لِأَنَّ بِالْحَلْقِ يَخْرُجُ عَنْ إحْرَامِهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ إحْرَامِ الْحَجِّ، وَلَمَّا بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ وَالْمُفْرِدِ بِالْعُمْرَةِ عُلِمَ مِنْهُ حُكْمُ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ.
(قَوْلُهُ: وَجِمَاعُ النَّاسِي كَالْعَامِدِ) يَعْنِي فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَحْكَامِ الْجِنَايَاتِ فَيَفْسُدُ حَجُّهُ لَوْ جَامَعَ نَاسِيًا قَبْلَ الْوُقُوفِ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ أَنَّ النِّسْيَانَ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ لِكَمَالِ الْعَقْلِ، وَلَيْسَ عُذْرًا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَفِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى عُذْرٌ فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ أَمَّا الْحُكْمُ فَإِنْ كَانَ مَعَ مُذَكَّرٍ، وَلَا دَاعِيَ إلَيْهِ كَأَكْلِ الْمُصَلِّي وَجِنَايَةِ الْمُحْرِم لَمْ يَسْقُطْ بِتَقْصِيرِهِ بِخِلَافِ سَلَامِهِ فِي الْقَعْدَةِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مَعَ مُذَكَّرٍ مَعَ دَاعٍ إلَيْهِ سَقَطَ كَأَكْلِ الصَّائِمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا فَكَذَلِكَ بِالْأَوْلَى كَتَرْكِ الذَّابِحِ التَّسْمِيَةَ. انْتَهَى. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْجَاهِلَ وَالْعَالِمَ وَالْمُخْتَارَ وَالْمُكْرَهَ وَالنَّائِمَ وَالْمُسْتَيْقِظَ سَوَاءٌ لِحُصُولِ الِارْتِفَاقِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ مُحْدِثًا) أَيْ يَلْزَمُهُ شَاةٌ لِتَرْكِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ نَقْصًا فِي الرُّكْنِ فَصَارَ كَتَرْكِ شَوْطٍ مِنْهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الدَّمَ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهَا فَلِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ سُنَّةً، وَيَجِبُ بِتَرْكِهَا الْكَفَّارَةُ، وَلِهَذَا قَالَ: مُحَمَّدٌ فِيمَنْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْإِمَامِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ سُنَّةَ الدَّفْعِ. اهـ.
وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْخُلْفَ لَفْظِيٌّ لَا ثَمَرَةَ لَهُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الطَّهَارَةُ وَاجِبَةً لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا حَاضَتْ فَقَالَ لَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: اقْضِ مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» .
رَتَّبَ مَنْعَ الطَّوَافِ عَلَى انْتِفَاءِ الطَّهَارَةِ، وَهَذَا حُكْمٌ وَسَبَبٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالسَّبَبِ فَيَكُونُ الْمَنْعُ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ لَا لِعَدَمِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَقْيِيدُ مُطْلَقِ الْقَطْعِيِّ، وَهُوَ {وَلْيَطَّوَّفُوا} [الحج: 29] بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ نُسِخَ عِنْدَنَا فَلَا يَجُوزُ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» فَالْمُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الثَّوَابِ، قَيَّدَ بِالْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ، وَعَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ) أَيْ فِي صُوَرِ هَذِهِ الْقَوْلَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَالْوَاجِبُ شَاةٌ إلَخْ فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ ذَاكَ فِي الْمُفْرِدِ يُعْلَمُ مِنْهُ حُكْمُ الْقَارِنِ كَمَا سَيَأْتِي.
(قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي لَا يَصِحُّ.
(قَوْلُهُ: بِوُجُوبِهَا) أَيْ الطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْخُلْفَ لَفْظِيٌّ) قَالَ: فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ ثَمَّ تَرْكُ الْوَاجِبِ أَشَدُّ. اهـ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ الثَّمَرَةُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ، وَعَدَمِهِ.