بَاقٍ فَيَقْضِي فِيهِ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ بَلْ فَسَدَ الْإِحْرَامُ كَالْحَجِّ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِفَسَادِهِ فِي مَوَاضِعَ عَدِيدَةٍ فِي هَذَا الْفَصْلِ، وَمَعْنَى بَقَائِهِ عَدَمُ الْخُرُوجِ عَنْهُ بِغَيْرِ الْأَفْعَالِ، وَمَعْنَى الِافْتِرَاقِ الَّذِي لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي طَرِيقٍ غَيْرِ طَرِيقِ صَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ النِّكَاحُ قَائِمٌ فَلَا مَعْنَى لِلِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لِإِبَاحَةِ الْوُقُوعِ، وَلَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَذَاكَرَانِ مَا لَحِقَهُمَا مِنْ الْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ بِسَبَبِ لَذَّةٍ صَغِيرَةٍ فَيَزْدَادَانِ نَدَمًا وَتَحَرُّزًا لَكِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ إذَا خَافَ الْوَقَاعَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ: وَبَدَنَةٌ لَوْ بَعْدَهُ، وَلَا فَسَادَ) أَيْ يَجِبُ بَدَنَةٌ لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ قَبْلَ الْحَلْقِ، وَلَا يَفْسُدُ حَجُّهُ لِلْحَدِيثِ «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» أَيْ أَمِنَ مِنْ فَسَادِهِ لِبَقَاءِ الرُّكْنِ الثَّانِي، وَهُوَ الطَّوَافُ، وَوُجُوبُ الْبَدَنَةِ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْأَثَرُ فِيهِ كَالْخَبَرِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا جَامَعَ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ فَبَدَنَةُ لِلْأَوَّلِ وَشَاةٌ لِلثَّانِي فِي قَوْلِهِمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ ذَبَحَ لِلْأَوَّلِ فَيَجِبُ لِلثَّانِي شَاةٌ، وَإِلَّا فَلَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ دَخَلَ إحْرَامَهُ نُقْصَانٌ بِالْجِمَاعِ الْأَوَّلِ وَبِالْجِمَاعِ الثَّانِي صَادَفَ إحْرَامًا نَاقِصًا فَيَكْفِيهِ شَاةٌ.

(قَوْلُهُ: أَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوَّلَ الْفَصْلِ قَبْلَ أَيْ يَجِبُ شَاةٌ إنْ جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ لِوُجُودِ الْحِلِّ الْأَوَّلِ بِالْحَلْقِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَ الْمُتُونِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّفْصِيلِ فِيمَا إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْحَلْقِ فَالْوَاجِبُ بَدَنَةٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَالْوَاجِبُ شَاةٌ، وَمَشَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ كَصَاحِبِ الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ والإسبيجابي عَلَى وُجُوبِ الْبَدَنَةِ مُطْلَقًا، وَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: إنَّهُ الْأَوْجَهُ؛ لِأَنَّ إيجَابَهَا لَيْسَ إلَّا بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْمَرْوِيُّ عَنْهُ ظَاهِرُهُ فِيمَا بَعْدَ الْحَلْقِ ثُمَّ الْمَعْنَى يُسَاعِدُهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا قَبْلَ الْحَلْقِ لَيْسَ إلَّا لِلْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَطْءَ لَيْسَ جِنَايَةً عَلَيْهِ إلَّا بِاعْتِبَارِ تَحْرِيمِهِ لَهُ لَا لِاعْتِبَارِ تَحْرِيمِهِ لِغَيْرِهِ فَلَيْسَ الطِّيبُ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامِ بِاعْتِبَارِ تَحْرِيمِهِ الْجِمَاعَ أَوْ الْحَلْقَ بَلْ بِاعْتِبَارِ تَحْرِيمِهِ لِلطِّيبِ، وَكَذَا كُلُّ جِنَايَةٍ عَلَى الْإِحْرَامِ لَيْسَتْ جِنَايَةً عَلَيْهِ إلَّا بِاعْتِبَارِ تَحْرِيمِهِ لَهَا لَا لِغَيْرِهَا فَيَجِبُ أَنْ يَسْتَوِيَ مَا قَبْلَ الْحَلْقِ، وَمَا بَعْدَهُ فِي حَقِّ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الَّذِي بِهِ كَانَ جِنَايَةً قَبْلَهُ بِعَيْنِهِ ثَابِتٌ بَعْدَهُ، وَالزَّائِلُ لَمْ يَكُنْ الْوَطْءُ جِنَايَةً بِاعْتِبَارِهِ لَا جَرَمَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إطْلَاقُ لُزُومِ الْبَدَنَةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ كَوْنِهِ قَبْلَ الْحَلْقِ أَوْ بَعْدَهُ. انْتَهَى.

وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا أَنَّهُ لَوْ جَامَعَ مَرَّةً ثَانِيَةً بَعْدَ الْوُقُوفِ قَبْلَ الْحَلْقِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بَدَنَةٌ، وَإِنَّمَا تَجِبُ شَاةٌ مَعَ أَنَّ وُجُوبَهَا لِلْجِمَاعِ الْأَوَّلِ لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ حُرْمَتِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ جِمَاعٍ أَتَى بِهِ قَبْلَ الطَّوَافِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى أَنَّ الْبَدَنَةَ لَا تَجِبُ إلَّا إذَا كَمُلَتْ الْجِنَايَةُ، وَكَمَالُهَا بِمُصَادَفَتِهَا إحْرَامًا كَامِلًا فَالْجِمَاعُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ صَادَفَ إحْرَامًا نَاقِصًا فَلَمْ تَجِبْ الْبَدَنَةُ، وَكَذَا الْجِمَاعُ بَعْدَ الْحَلْقِ صَادَفَ إحْرَامًا نَاقِصًا لِخُرُوجِهِ عَنْهُ فِي حَقِّ غَيْرِ النِّسَاءِ، وَهَذَا الْبَابُ أَعْنِي بَابَ الْجِنَايَاتِ عَلَى الْإِحْرَامِ يُنْظَرُ فِيهِ إلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ، وَقُصُورِهَا لِيَجِبَ الْجَزَاءُ بِقَدْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَطْيِيبِ الْعُضْوِ، وَمَا دُونَهُ، وَمِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَا إلَى تَحْرِيمِ الْفِعْلِ فَقَطْ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَسَائِلَهُمْ شَاهِدَةٌ بِأَنَّ الْجِنَايَةَ إنْ كَمُلَتْ تُغْلِظُ الْجَزَاءَ كَمَا فِي لُبْسِ الْمَخِيطِ يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَا إلَى تَحْرِيمِ الْفِعْلِ فَقَطْ، وَإِنْ قَصُرَتْ خَفَّ الْجَزَاءُ فَالْأَوْجَهُ مَا فِي الْمُتُونِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْقَارِنِ إذَا جَامَعَ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَطَوَافِ الْعُمْرَةِ فَسَدَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ، وَلَزِمَهُ دَمَانِ وَقَضَاؤُهُمَا وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ أَوْ أَكْثَرَهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَسَدَ الْحَجُّ فَقَطْ، وَلَزِمَهُ دَمَانِ أَيْضًا، وَقَضَاءُ الْحَجِّ فَقَطْ وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ لَمْ يَفْسُدَا، وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْحَلْقِ اتِّفَاقًا وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْحَلْقِ فِي مَوْضِعَيْنِ. الْأَوَّلُ: فِي وُجُوبِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQيُؤَدَّى عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ: أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ إلَخْ) ، وَكَذَا شَمَلَ مَا لَوْ جَامَعَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا فَتَلْزَمُهُ فِيهِمَا بَدَنَةٌ كَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ وَذَكَرَ الْحَدَّادِيُّ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ نَاقِلًا عَنْ الْوَجِيزِ أَنَّهُ إنَّمَا تَجِبُ الْبَدَنَةُ إذَا جَامَعَ عَامِدًا أَمَّا إذَا جَامَعَ نَاسِيًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ. اهـ.

وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْمَشَاهِيرِ مِنْ الرِّوَايَاتِ حَيْثُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَامِدِ وَالنَّاسِي فِي سَائِرِ الْجِنَايَاتِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَلَا يَفْسُدُ حَجُّهُ، وَعَلَيْهِ جَزُورٌ جَامَعَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا. اهـ.

كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ جِمَاعَ النَّاسِي كَالْعَامِدِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْحَلْقِ، وَقَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015