لِإِدْخَالِ النَّجَاسَةِ الْمَسْجِدَ، وَلَمْ يَنُصَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَّا عَلَى الثَّوْبِ، وَالتَّعْلِيلُ يُفِيدُ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّ نَجَاسَةَ الثَّوْبِ كُلِّهِ فِيهِ الدَّمُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ.
وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ طَافَ مُنْكَشِفَ الْعَوْرَةِ قَدْرَ مَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ، وَهُوَ سِتْرُ الْعَوْرَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَدَلِيلُ الْوُجُوبِ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَلَا لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» بِنَاءً عَلَى أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يُفِيدُ الْوُجُوبَ عِنْدَنَا، وَقَيَّدَ بِالرُّكْنِ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ أَقَلَّهُ مُحْدِثًا، وَلَمْ يُعِدْ وَجَبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ إلَّا إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ دَمًا فَإِنَّهُ يُنْقِصُ مِنْهُ مَا شَاءَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
(قَوْلُهُ: وَبَدَنَةٌ لَوْ جُنُبًا وَيُعِيدُ) أَيْ يَجِبُ بَدَنَةٌ لَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ جُنُبًا كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَلِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ فَيَجِبُ جَبْرُ نُقْصَانِهَا فِي الْبَدَنَةِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا، وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ كَالْجَنَابَةِ قَيَّدَ بِالرُّكْنِ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ الْأَقَلَّ جُنُبًا، وَلَمْ يُعِدْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَاةٌ فَإِنْ أَعَادَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ لِتَأْخِيرِ الْأَقَلِّ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ، وَقَوْلُهُ: وَيُعِيدُ رَاجِعٌ إلَى الطَّوَافِ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا، وَلَمْ يَذْكُرْ صِفَةَ الْإِعَادَةِ لِلِاخْتِلَافِ وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الطَّوَافِ جُنُبًا مُسْتَحَبَّةٌ فِي الطَّوَافِ مُحْدِثًا لِلْفُحْشِ فِي الْأَوَّلِ وَالْقُصُورِ فِي الثَّانِي فَإِنْ أَعَادَهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِيهِمَا مُطْلَقًا لِجَبْرِ النُّقْصَانِ الْحَاصِلِ بِالْإِعَادَةِ إلَّا أَنَّهُ إنْ أَعَادَهُ، وَقَدْ طَافَ جُنُبًا بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ دَمٌ لِلتَّأْخِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ وَيُعِيدُ بِمَعْنَى أَوْ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِمَعْنَى شَيْئَيْنِ إمَّا لُزُومُ الشَّاةِ أَوْ الْإِعَادَةُ، وَالْإِعَادَةُ هِيَ الْأَصْلُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ لِيَكُونَ الْجَابِرُ مِنْ جِنْسِ الْمَجْبُورِ فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الدَّمِ، وَأَمَّا إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَفِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ اتَّفَقُوا أَنَّ بَعْثَ الشَّاةِ أَفْضَلُ مِنْ الرُّجُوعِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ فَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْعَوْدَ إلَى الْإِعَادَةِ أَفْضَلُ لِمَا ذَكَرْنَا وَاخْتَارَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ بَعْثَ الدَّمِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ وَقَعَ مُعْتَدًّا بِهِ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْفُقَرَاءِ، وَإِذَا عَادَ لِلْأَوَّلِ يَرْجِعُ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَلَّ فِي حَقِّ النِّسَاءِ بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ جُنُبًا، وَهُوَ آفَاقِيٌّ يُرِيدُ مَكَّةَ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إحْرَامٍ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَإِذَا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ يَبْدَأُ بِهَا فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا يَطُوفُ لِلزِّيَارَةِ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ وَقْتِهِ، وَفَهِمَ الرَّازِيّ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الطَّوَافَ الثَّانِيَ مُعْتَدٌّ بِهِ، وَأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ انْفَسَخَ وَذَهَبَ الْكَرْخِيُّ إلَى أَنَّ الْأَوَّلَ مُعْتَبَرٌ فِي فَصْلِ الْجِنَايَةِ كَمَا فِي فَصْلِ الْحَدَثِ اتِّفَاقًا وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ صِفَةَ الْإِعَادَةِ إلَخْ) قَالَ: فِي النَّهْرِ وَالْأَصَحُّ نَدْبُهَا مَعَ الْحَدَثِ وَوُجُوبُهَا مَعَ الْجِنَايَةِ فَإِنْ أَعَادَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا ذَبْحَ، وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ لِلتَّأْخِيرِ قَالَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ (قَوْلُهُ: فَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِيهِمَا) أَيْ فِي الطَّوَافِ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا، وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَهَا لَكِنَّهُ خَاصٌّ فِي الطَّوَافِ مُحْدِثًا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ ثُمَّ إذَا أَعَادَهُ، وَقَدْ طَافَ مُحْدِثًا لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْإِعَادَةِ لَا تَبْقَى إلَّا شُبْهَةُ النُّقْصَانِ، وَإِنْ أَعَادَهُ، وَقَدْ طَافَهُ جُنُبًا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَعَادَهُ فِي وَقْتِهِ، وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالتَّأْخِيرِ. اهـ.
هَذَا وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ جُنُبًا وَلِلصَّدْرِ طَاهِرًا أَنَّ عَلَيْهِ دَمَيْنِ أَيْ وَتَسْقُطُ الْبَدَنَةُ لِوُقُوعِ طَوَافِ الصَّدْرِ عَنْ طَوَافِ الرُّكْنِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَأْخِيرِهِ وَدَمٌ لِتَرْكِ الصَّدْرِ إنْ لَمْ يُعِدْهُ كَمَا سَيَشْرَحُهُ الْمُؤَلِّفُ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ طَافَ جُنُبًا) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الظَّرْفِ، وَمُتَعَلِّقِهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ مُتَعَلِّقٌ بِأَعَادَهُ، وَقَيَّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ طَافَ مُحْدِثًا، وَأَعَادَهُ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ سَوَاءٌ أَعَادَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَهَا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلتَّأْخِيرِ كَمَا فِي اللُّبَابِ، وَعَزَاهُ شَارِحُهُ إلَى الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا قَالَ: وَفِي الْبَحْرِ الزَّاخِرِ هُوَ الصَّحِيحُ ثُمَّ قَالَ: فِي اللُّبَابِ، وَقِيلَ يَجِبُ عَلَيْهِ لِلتَّأْخِيرِ دَمٌ. قَالَ: شَارِحُهُ قَالَ: قِوَامُ الدِّينِ مَا فِي الْهِدَايَةِ سَهْوٌ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ النُّسُكِ عَنْ وَقْتِهِ يُوجِبُ الدَّمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ مُصَرِّحَةٌ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَلِذَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا أَعَادَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ سَوَاءٌ كَانَتْ إعَادَتُهُ بِسَبَبِ الْحَدَثِ أَوْ الْجَنَابَةِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْبَدَائِعِ وَصَحَّحَ فِي السِّرَاجِ مَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ إنَّهُ الْأَظْهَرُ. اهـ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ طَوَافَهُ الْأَوَّلَ مُعْتَدٌّ بِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَالْإِعَادَةُ لِتَكْمِيلِ الْعِبَادَةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ ثُمَّ قَالَ فِي اللُّبَابِ، وَقِيلَ صَدَقَةٌ لِكُلِّ شَوْطٍ، وَعَزَاهُ شَارِحُهُ إلَى الْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ ذَلِكَ بَعْدَ وَرَقَتَيْنِ (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى شَيْئَيْنِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ (قَوْلُهُ: وَفَهِمَ الرَّازِيّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ وَقْتِهِ، وَكَانَ الْأَظْهَرُ تَقْدِيمَ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ، وَأَمَّا إذَا رَجَعَ كَمَا فَعَلَ فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ بَحْثِ الْإِعَادَةِ قَبْلَ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي فَصْلِ الْحَدَثِ اتِّفَاقًا) حَاصِلُهُ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِعَادَةِ فِي فَصْلِ الْجَنَابَةِ فَعِنْدَ الرَّازِيّ الطَّوَافُ الثَّانِي هُوَ الْمُعْتَدُّ بِهِ، وَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ الْأَوَّلُ، وَاتَّفَقُوا فِي الْمُحْدِثِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِيَ جَابِرٌ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ