؛ لِأَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ حَتَّى قَالُوا: إنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ فِي النَّهْيِ كَفُّ النَّفْسِ لَا تَرْكُ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِمَقْدُورٍ، وَالْمَعْدُومُ غَيْرُ مَقْدُورٍ؛ لِأَنَّ تَفْسِيرَ الْقَادِرِ بِمَنْ إنْ شَاءَ فَعَلَ، وَإِنْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَفْعَلْ لَا، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَتَمَامُهُ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ وَقُلْنَا حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِيَدْخُلَ مَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا فَإِنَّهُ مُمْسِكٌ حُكْمًا وَاخْتَصَّ الصَّوْمُ بِالْيَوْمِ لِتَعَذُّرِ الْوِصَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَعَلَيْهِ مَبْنَى الْعِبَادَةِ؛ إذْ تَرْكُ الْأَكْلِ بِاللَّيْلِ مُعْتَادٌ وَاشْتُرِطَتْ النِّيَّةُ لِتَمْيِيزِ الْعِبَادَةِ عَنْ الْعَادَةِ كَمَا سَيَأْتِي
وَأَرَادَ بِالْأَهْلِ مَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الصِّحَّةِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ فَخَرَجَ الْكَافِرُ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْمُرَادُ بِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ اشْتِرَاطُ عَدَمِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهَا الِاغْتِسَالَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمُرَادُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ تَرْكُ إدْخَالِ شَيْءٍ بَطْنَهُ أَعَمَّ مِنْ كَوْنِهِ مَأْكُولًا أَوْ لَا لِمَا سَيَأْتِي مِنْ إبْطَالِهِ بِإِدْخَالِ نَحْوَ الْحَدِيدِ، وَلَا يَرِدُ مَا وَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ فَإِنَّهُ مُفْطِرٌ كَمَا سَيَأْتِي لِمَا أَنَّ بَيْنَ الدِّمَاغِ وَالْجَوْفِ مَنْفَذًا فَمَا وَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اسْتَنْشَقَ فَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى فَمِهِ، وَلَمْ يَصِلْ إلَى دِمَاغِهِ لَا يُفْسِدُ صَوْمَهُ (قَوْلُهُ وَصَحَّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ وَالنَّفَلُ بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ النِّيَّةِ الَّتِي هِيَ شَرْطُ الصِّحَّةِ لِكُلِّ صَوْمٍ، وَعَرَّفَهَا فِي الْمُحِيطِ بِأَنْ يَعْرِفَ بِقَلْبِهِ أَنَّهُ صَوْمٌ، وَوَقْتُهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ، وَالتَّسَحُّرُ نِيَّةٌ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ
وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى فَرْضِيَّةِ رَمَضَانَ لِمَا أَنَّهَا مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ لَا لِفِقْهِ لِثُبُوتِهَا بِالْقَطْعِيِّ الْمُتَأَيَّدِ بِالْإِجْمَاعِ؛ وَلِهَذَا يُحْكَمُ بِكُفْرِ جَاحِدِهِ وَكَانَتْ فَرْضِيَّتُهُ بَعْدَ مَا صُرِفَتْ الْقِبْلَةُ إلَى الْكَعْبَةِ بِشَهْرٍ فِي شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ شَهْرًا مِنْ الْهِجْرَةِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مِنْ رَمِضَ إذَا احْتَرَقَ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ الذُّنُوبَ تَحْتَرِقُ فِيهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْأَلْفِ وَالنُّونِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُجْمَعُ عَلَى أَرْمِضَاءٍ وَرَمَضَانَاتٍ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يُجْمَعُ عَلَى رَمَاضِينِ كَسَلَاطِينِ وَشَيَاطِينِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: رِمَاضٌ جَمْعُ رَمَضَانَ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ النَّذْرِ أَنَّهُ فَرْضٌ عَلَى الْأَظْهَرِ وَالْمُرَادُ بِالنَّفْلِ مَا عَدَا الْفَرْضَ، وَالْوَاجِبُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ مَكْرُوهًا.
وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى عِنْدَ الْغُرُوبِ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْوَقْتِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ نَوَى أَنْ يَتَسَحَّرَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ ثُمَّ يُصْبِحَ صَائِمًا لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ النِّيَّةُ كَمَا لَوْ نَوَى بَعْدَ الْعَصْرِ صَوْمَ الْغَدِ اهـ.
وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّبْيِيتِ فِي رَمَضَانَ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ «مَنْ أَكَلَ فَلْيُمْسِكْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ» وَكَانَ صَوْمُهُ فَرْضًا حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ فَصَارَ سُنَّةً فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ، وَلَمْ يَنْوِهِ لَيْلًا تُجْزِئُهُ النِّيَّةُ نَهَارًا فَوَجَبَ حَمْلُ حَدِيثِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ الْأَفْضَلَ فِي كُلِّ صَوْمٍ أَنْ يَنْوِيَ وَقْتَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إنْ أَمْكَنَهُ أَوْ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يَنْوِ كَوْنَ الصَّوْمِ مِنْ اللَّيْلِ فَيَكُونُ الْجَارُّ، وَهُوَ مِنْ اللَّيْلِ مُتَعَلِّقًا بِصِيَامِ الثَّانِي لَا يَنْوِي فَحَاصِلُهُ لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَقْصِدْ أَنَّهُ صَائِمٌ مِنْ اللَّيْلِ أَيْ مِنْ آخِرِ أَجْزَائِهِ فَيَكُونُ نَفْيًا لِصِحَّةِ الصَّوْمِ مِنْ حِينِ نَوَى مِنْ النَّهَارِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ لِنَفْيِ الصِّحَّةِ وَجَبَ أَنْ يَخُصَّ عُمُومَهُ بِمَا رَوَيْنَا عِنْدَهُمْ وَعِنْدَنَا لَوْ كَانَ قَطْعِيًّا خُصَّ بَعْضُهُ خُصِّصَ بِهِ بَعْضٌ فَكَيْفَ، وَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ عَدَمُ الظَّنِّيَّةِ وَالتَّخْصِيصِ؛ إذْ قَدْ خُصِّصَ مِنْهُ النَّفَلُ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَقُلْنَا: لَا فَقَالَ: إنِّي إذًا صَائِمٌ»
فَالْحَاصِلُ أَنَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ أَصْلٌ وَأُلْحِقَ بِهِ صَوْمُ رَمَضَانَ، وَالْمَنْذُورُ الْمُعَيَّنُ فِي حُكْمِهِ، وَهُوَ عَدَمُ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ، وَمُقْتَضَاهُ إلْحَاقُ كُلِّ صَوْمٍ وَاجِبٍ بِهِ لَكِنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا يَصْلُحُ مُخَصِّصًا لِلْخَبَرِ لَا نَاسِخًا، وَلَوْ جَرَيْنَا عَلَى تَمَامِ لَازِمِ هَذَا الْقِيَاسِ لَكَانَ نَاسِخًا لِحَدِيثِ السُّنَنِ؛ إذْ لَمْ يَبْقَ تَحْتَهُ شَيْءٌ حِينَئِذٍ فَوَجَبَ أَنْ يُحَاذَى بِهِ مَوْرِدُ النَّصِّ، وَهُوَ الْوَاجِبُ الْمُعَيَّنُ مِنْ رَمَضَانَ وَنَظِيرُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَخْتَصُّ بِالْكَفِّ عَمَّا يُؤْكَلُ كَمَا سَيَأْتِي بِإِفْطَارِهِ بِإِدْخَالِ نَحْوِ الْحَدِيدِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَمَا فِي الْفَتْحِ: هُوَ إمْسَاكٌ عَنْ الْجِمَاعِ، وَعَنْ إدْخَالِ شَيْءٍ بَطْنًا أَوْ مَا لَهُ حُكْمُ الْبَاطِنِ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ عَنْ نِيَّةٍ لَكَانَ أَجْوَدَ