بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ، وَصَوْمَ قَضَائِهِ عِنْدَ الْإِفْسَادِ، وَصَوْمَ الِاعْتِكَافِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا، وَبِمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ، وَعِنْدَنَا يُكْرَهُ الصَّوْمُ فِي يَوْمَيْ الْعِيدِ وَأَيَّام التَّشْرِيقِ، وَالْمُسْتَحَبُّ هُوَ الْإِفْطَارُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الصَّوْمَ فِيهَا مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ وَاجِبٌ مُتَحَتِّمٌ؛ وَلِهَذَا صَرَّحَ فِي الْمَجْمَعِ بِحُرْمَةِ الصَّوْمِ فِيهَا
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ صَوْمٍ رَغَّبَ فِيهِ الشَّارِعُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخُصُوصِهِ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا، وَمَا سِوَاهُ يَكُونُ مَنْدُوبًا مِمَّا لَمْ تَثْبُتْ كَرَاهِيَتُهُ لَا نَفْلًا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ رَغَّبَ فِي مُطْلَقِ الصَّوْمِ فَتَرَتَّبَ عَلَى فِعْلِهِ الثَّوَابُ بِخِلَافِ النَّفْلِيَّةِ الْمُقَابِلَةِ لِلنَّدْبِيَّةِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي عَدَمَ الثَّوَابِ فِيهِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَنْدُوبٌ كَمَا لَا يَخْفَى، وَمِنْ الْمَكْرُوهِ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى، وَمِنْهُ صَوْمُ الْوِصَالِ وَقَدْ فَسَّرَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ بِصَوْمِ يَوْمَيْنِ لَا فِطْرَ بَيْنَهُمَا، وَمِنْهُ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْحَاجِّ إنْ أَضْعَفَهُ، وَمِنْهُ صَوْمُ يَوْمِ السَّبْتِ بِانْفِرَادٍ لِلتَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ بِخِلَافِ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ صَوْمَهُ بِانْفِرَادِهِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْعَامَّةِ كَالِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَكَرِهَ الْكُلَّ بَعْضُهُمْ، وَمِنْهُ صَوْمُ الصَّمْتِ بِأَنْ يُمْسِكَ عَنْ الطَّعَامِ وَالْكَلَامِ جَمِيعًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَمِنْهُ أَيْضًا صَوْمُ سِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُتَفَرِّقًا كَانَ أَوْ مُتَتَابِعًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كَرَاهَتُهُ مُتَتَابِعًا لَا مُتَفَرِّقًا لَكِنَّ عَامَّةَ الْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الصِّيَامَاتِ اللَّازِمَةَ فَرْضًا ثَلَاثَةَ عَشْرَ سَبْعَةٌ مِنْهَا يَجِبُ فِيهَا التَّتَابُعُ، وَهِيَ رَمَضَانُ وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَكَفَّارَةُ الْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ وَصَوْمُ الْيَمِينِ الْمُعَيَّنِ، وَسِتَّةٌ لَا يَجِبُ فِيهَا التَّتَابُعُ، وَهِيَ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَصَوْمُ الْمُتْعَةِ، وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الْحَلْقِ وَصَوْمُ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَصَوْمُ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ، وَصَوْمُ الْيَمِينِ بِأَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ شَهْرًا ثُمَّ إذَا أَفْطَرَ يَوْمًا فِيمَا يَجِبُ فِيهِ التَّتَابُعُ هَلْ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ أَوْ لَا فَنَقُولُ: كُلُّ صَوْمٍ يُؤْمَرُ فِيهِ بِالتَّتَابُعِ لِأَجْلِ الْفِعْلِ، وَهُوَ الصَّوْمُ يَكُونُ التَّتَابُعُ شَرْطًا فِيهِ وَكُلُّ صَوْمٍ يُؤْمَرُ فِيهِ بِالتَّتَابُعِ لِأَجْلِ أَنَّ الْوَقْتَ مُفَوِّتُ ذَلِكَ يَسْقُطُ التَّتَابُعُ، وَإِنْ بَقِيَ الْفِعْلُ وَاجِبَ الْقَضَاءِ فَالْأَوَّلُ كَصَوْمِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَالْإِفْطَارِ، وَيَلْحَقُ بِهِ النَّذْرُ الْمُطْلَقُ إذَا ذَكَرَ التَّتَابُعَ فِيهِ أَوْ نَوَاهُ، وَالثَّانِي كَرَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَالْيَمِينِ بِصَوْمِ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ والإسبيجابي مُخْتَصَرًا وَمَحَاسِنُهُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا شُكْرُ النِّعْمَةِ الَّتِي هِيَ الْمُفْطِرَاتُ الثَّلَاثَةُ؛ لِأَنَّ بِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ، وَمِنْهَا أَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى التَّقْوَى؛ لِأَنَّهَا إذَا انْقَادَتْ إلَى الِامْتِنَاعِ عَنْ الْحَلَالِ طَمَعًا فِي مَرْضَاتِهِ - تَعَالَى، فَالْأَوْلَى أَنْ تَنْقَادَ لِلِامْتِنَاعِ عَنْ الْحَرَامِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] وَمِنْهَا كَسْرُ الشَّهْوَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى الْمَعَاصِي، وَمِنْهَا الِاتِّصَافُ بِصِفَةِ الْمَلَائِكَةِ الرُّوحَانِيَّةِ، وَمِنْهَا عِلْمُهُ بِحَالِ الْفُقَرَاءِ لِيَرْحَمَهُمْ فَيُطْعِمَهُمْ، وَمِنْهَا مُوَافَقَتُهُ لَهُمْ.
(قَوْلُهُ هُوَ تَرْكُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ مِنْ الصُّبْحِ إلَى الْغُرُوبِ بِنِيَّةٍ مِنْ أَهْلِهِ) أَيْ الصَّوْمُ فِي الشَّرْعِ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ الثَّلَاثِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ مَعَ النِّيَّةِ وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا التَّرْكَ بِالْإِمْسَاكِ الْمَذْكُورِ فِي كَلَامِ الْقُدُورِيِّ لِيَكُونَ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْإِجْمَاعِ غَيْرُ مُحَرَّرٍ
(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ صَوْمٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُسْتَحَبِّ وَالْمَنْدُوبِ وَأَنَّ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ تَرْكٍ مَا بِلَا عُذْرٍ سُنَّةٌ وَمَا لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ مَنْدُوبٌ وَمُسْتَحَبٌّ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ بَعْدَ مَا رَغَّبَ فِيهِ كَذَا فِي التَّحْرِيرِ وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْمُسْتَحَبُّ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى، وَالْمَنْدُوبُ مَا فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ كَذَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ: وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا رَغَّبَ فِيهِ، وَلَمْ يَفْعَلْهُ وَمَا جَعَلَهُ تَعْرِيفًا لِلْمُسْتَحَبِّ جَعَلَهُ فِي الْمُحِيطِ تَعْرِيفًا لِلْمَنْدُوبِ فَالْأَوْلَى مَا عَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ اهـ.
ثُمَّ النَّفَلُ فِي اللُّغَةِ الزِّيَادَةُ، وَفِي الشَّرِيعَةِ زِيَادَةُ عِبَادَةٍ شُرِعَتْ لَنَا لَا عَلَيْنَا فَيَشْمَلُ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ؛ وَلِذَا تَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْلِ فِي كَلَامِ الْفَتْحِ مَا قَابَلَ الْمَسْنُونَ وَالْمَنْدُوبَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا رَادَفَ الْمُبَاحَ مِمَّا لَا ثَوَابَ فِيهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ صَوْمٍ لَمْ يَكُنْ مَكْرُوهًا، وَلَا مُحَرَّمًا يُثَابُ عَلَيْهِ؛ فَلِذَا اُضْطُرَّ الْمُؤَلِّفُ إلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمُسْتَحَبِّ وَالْمَنْدُوبِ وَبَيَانِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْلِ فِي كَلَامِهِ الْمَنْدُوبُ لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ الْمَحْذُورُ، وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
(قَوْلُهُ: عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ) أَيْ مِنْ التَّفْصِيلِ الْآتِي عِنْدَ قَوْلِهِ، وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ إلَّا تَطَوُّعًا (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ صَوْمُ يَوْمِ السَّبْتِ بِانْفِرَادِهِ) وَكَذَا يَوْمُ الْأَحَدِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَيُكْرَهُ صَوْمُ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ إذَا تَعَمَّدَهُ، وَلَمْ يُوَافِقْ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَهَكَذَا قِيلَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ عَامَّةَ الْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا) قَدْ سَرَدَ عِبَارَتَهُمْ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوَاهُ وَرَدَّ قَوْلَ مَنْ صَحَّحَ الْكَرَاهَةَ فَرَاجِعْهُ، وَفِي الْفَتْحِ بَعْدَ مَا مَرَّ وَاخْتَلَفُوا فَقِيلَ الْأَفْضَلُ وَصْلُهَا بِيَوْمِ الْفِطْرِ وَقِيلَ بَلْ تَفْرِيقُهَا فِي الشَّهْرِ (قَوْلُهُ: يَكُونُ التَّتَابُعُ شَرْطًا فِيهِ) أَيْ فَإِذَا تَخَلَّلَ الْفِطْرُ فِي خِلَالِهِ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ (قَوْلُهُ: يَسْقُطُ التَّتَابُعُ) أَيْ فَلَوْ أَفْطَرَ فِي خِلَالِهِ لَا يَسْتَقْبِلُ بَلْ يَبْنِي عَلَى مَا فَاتَ.