وَلِلْوَاهِبِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضَا لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ جَائِزًا مُوجِبًا حَقَّ الْفَسْخِ فَكَانَ بِالْفَسْخِ مُسْتَوْفِيًا حَقًّا ثَابِتًا لَهُ فَيَظْهَرُ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْحَقَّ هُنَالِكَ فِي وَصْفِ السَّلَامَةِ لَا فِي الْفَسْخِ فَافْتَرَقَا وَأَمَّا رَدُّ الْمَرِيضِ الْهِبَةَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَمُعْتَبَرٌ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ كَانَ بِقَضَاءٍ فَلَا شَيْءَ لِوَرَثَةِ الْمَرِيضِ عَلَى الْوَاهِبِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْوَاهِبَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ لَوْ اسْتَهْلَكَهَا ضَمِنَهَا وَلَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْوَاهِبُ لَمْ يَصِحَّ عِتْقُهُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَاعْلَمْ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْفَسْخِ مِنْ الْأَصْلِ هُوَ أَنْ لَا يَتَرَتَّبَ عَلَى الْعَقْدِ أَثَرٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا أَنْ يَبْطُلَ أَثَرُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِيمَا مَضَى وَإِلَّا لَعَادَ الزَّوَائِدُ الْمُنْفَصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ إلَى مِلْكِ الْوَاهِبِ بِرُجُوعِهِ وَيَحْرُمُ قَبْلَ الرَّدِّ انْتِفَاعُ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ قَبْلَ الرَّدِّ إذَا رَدَّ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَذَا ذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان لَوْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ جِنَايَةٌ خَطَأً فَوَهَبَهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ وَيَكُونُ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ اسْتِحْسَانًا وَإِذَا رَجَعَ مَوْلَى الْعَبْدِ فِي هِبَةِ الْعَبْدِ لَا يَعُودُ الدَّيْنُ وَالْجِنَايَةُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ فِي الْهِبَةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى وَهَبَ الْأَمَةَ مِنْ زَوْجِهَا بَطَلَ النِّكَاحُ فَإِنْ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ ذَلِكَ صَحَّ رُجُوعُهُ وَلَا يَعُودُ النِّكَاحُ كَمَا لَا يَعُودُ الدَّيْنُ وَالْجِنَايَةُ وَفِي رِوَايَةٍ يَعُودُ النِّكَاحُ. اهـ. مُخْتَصَرًا
(قَوْلُهُ فَإِنْ تَلِفَتْ الْمَوْهُوبَةُ وَاسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ وَضَمِنَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْوَاهِبِ بِمَا ضَمِنَ) لِأَنَّهَا عَقْدُ تَبَرُّعٍ وَهُوَ غَيْرُ عَامِلٍ لَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ السَّلَامَةَ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْغُرُورُ قَيَّدَ بِالْهِبَةِ لِأَنَّ عُقُودَ الْمُعَاوَضَاتِ يَثْبُتُ بِهَا الْغُرُورُ فَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ وَكَذَا بِكُلِّ عَقْدٍ يَكُونُ لِلدَّافِعِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْإِجَارَةِ إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ وَاسْتَحَقَّ الْوَدِيعَةَ أَوْ الْمُسْتَأْجَرَ وَضَمِنَ الْمُودِعُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فَإِنَّ الْمُودَعَ وَالْمُسْتَأْجِرَ يَرْجِعُ عَلَى الدَّافِعِ بِمَا ضَمِنَ وَكَذَا كُلُّ مَنْ كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَغْرُورَ يَرْجِعُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ أَوْ بِعَقْدٍ يَكُونُ لِلدَّافِعِ وَالْإِعَارَةُ كَالْهِبَةِ هُنَا لِأَنَّ قَبْضَ الْمُسْتَعِيرِ كَانَ لِنَفْسِهِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان مِنْ فَصْلِ الْغُرُورِ مِنْ الْبُيُوعِ
(قَوْلُهُ وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ هِبَةٌ ابْتِدَاءً فَيُشْتَرَطُ فِيهَا التَّقَابُضُ فِي الْعِوَضَيْنِ وَتَبْطُلُ فِي الشُّيُوعِ بَيْعٌ انْتِهَاءً فَتُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَتُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ) لِاشْتِمَالِهَا عَلَى جِهَتَيْنِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا مَا أَمْكَنَ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ وَقَدْ أَمْكَنَ لِأَنَّ الْهِبَةَ مِنْ حُكْمِهَا تَأَخُّرُ الْمِلْكِ إلَى الْقَبْضِ وَقَدْ يَتَرَاخَى عَنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْبَيْعُ مِنْ حُكْمِهِ اللُّزُومُ وَقَدْ تَنْقَلِبُ الْهِبَةُ لَازِمَةً بِالتَّعْوِيضِ فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا وَقَالَ زُفَرُ هُوَ بَيْعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَفِي الْحَقَائِقِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ وَهَبْتُك ذَا عَلَى أَنْ تُعَوِّضَنِي كَذَا إذْ لَوْ قَالَ وَهَبْتُك بِكَذَا فَهُوَ بَيْعٌ إجْمَاعًا. اهـ.
وَكَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بَيْعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان الْمُكْرَهُ عَلَى الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ إذَا بَاعَ يَكُونُ مُكْرَهًا وَالْمُكْرَهُ بِالْبَيْعِ إذَا وَهَبَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ كَانَ مُكْرَهًا فِيهِ وَالْإِكْرَاهُ بِأَحَدِهِمَا يَكُونُ إكْرَاهًا بِالْآخِرِ. اهـ.
فَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَكُونُ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ بَيْعًا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَقَالَ النَّاصِحِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ وَقْفِي هِلَالٌ وَالْخَصَّافِ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ مِنْ الْوَقْفِ وَمَا لَا يَجُوزُ وَلَوْ وَهَبَ الْوَاقِفُ الْأَرْضَ الَّتِي شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ بِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ عِوَضًا لَمْ يَجُزْ وَلَوْ شَرَطَ عِوَضًا فَهُوَ كَالْبَيْعِ. اهـ.
وَفِي الْمَجْمَعِ وَأَجَازَ مُحَمَّدٌ هِبَةَ الْأَبِ مَالَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِشَرْطِ عِوَضٍ مُسَاوٍ قِيمَتَهُ يَعْنِي وَقَالَا لَا يَجُوزُ فَيَحْتَاجُ عَلَى قَوْلِهِمَا إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَقْفِ وَمَالِ الصَّغِيرِ وَأَرَادَ بِالْعِوَضِ الْعِوَضَ الْمُعَيَّنَ إذْ فِي اشْتِرَاطِ الْعِوَضِ الْمَجْهُولِ تَكُونُ هِبَةً ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً لِبُطْلَانِ اشْتِرَاطِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(فَصْلٌ) هَذَا الْفَصْلُ بِمَنْزِلَةِ مَسَائِلَ شَتَّى تُذْكَرُ فِي آخِرِ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ وَمَنْ وَهَبَ أَمَةً إلَّا حَمْلَهَا أَوْ عَلَى أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ أَوْ يُعْتِقَهَا أَوْ يَسْتَوْلِدَهَا أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا أَوْ يُعَوِّضَهُ مِنْهَا شَيْئًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ لَا يَعُودُ الدَّيْنُ وَالْجِنَايَةُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَعُودُ الدَّيْنُ وَالْجِنَايَةُ وَأَبُو يُوسُفَ اسْتَفْحَشَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ لِصَغِيرٍ فَوَهَبَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ مِنْ الصَّغِيرِ فَقَبِلَ الْوَصِيُّ وَقَبَضَ فَسَقَطَ الدَّيْنُ فَإِنْ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ ذَلِكَ لَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يَعُودُ الدَّيْنُ كَانَ قَبُولُ الْوَصِيِّ الْهِبَةَ تَصَرُّفًا ضَارًّا عَلَى الصَّغِيرِ وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ
(فَصْلٌ)