صَحَّتْ الْهِبَةُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ وَالشَّرْطُ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَعْمَلُ إلَّا فِي مَحَلٍّ يَعْمَلُ فِيهِ الْعَقْدُ وَالْهِبَةُ لَا تَعْمَلُ فِي الْحَمْلِ لِكَوْنِهِ وَصْفًا فَانْقَلَبَ شَرْطًا فَاسِدًا وَالْهِبَةُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَدَخَلَ فِيهِ كُلُّ عَقْدٍ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالنِّكَاحِ وَالْخَلْعِ وَالصَّدَقَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْعِتْقِ فَيَصِحُّ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ وَخَرَجَ كُلُّ مَا يُبْطِلُهُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالْكِتَابَةِ وَمَا يَصِحُّ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ كَالْوَصِيَّةِ وَالْخُلْعِ فَهَذَا ظَهَرَ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْحَمْلِ فِي الْعُقُودِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَرَاتِبَ وَأَمَّا إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ فَلَا يَصِحُّ كَالْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ وَإِنْ قَبِلَتْ الْأُمُّ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَإِنْ سَلَّمَ الْأُمَّ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَالنِّكَاحُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ.
وَلَوْ صَالَحَ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى مَا فِي الْبَطْنِ فَهُوَ صَحِيحٌ مُبْطِلٌ لِلْقِصَاصِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ وَعِتْقُهُ مُنْفَرِدًا صَحِيحٌ إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ وَقْتَهُ كَالْوَصِيَّةِ وَالْخُلْعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَهُ فَلَا وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا سَاقَ لَهَا مِنْ الْمَهْرِ إنْ قَالَتْ اخْلَعْنِي عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِي مِنْ وَلَدٍ وَإِنْ لَمْ تَقُلْ مِنْ وَلَدٍ فَلَا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مُخْتَصَرًا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ وَهَبَهَا جَازَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ الْجَنِينُ عَلَى مِلْكِهِ فَأَشْبَهَ الِاسْتِثْنَاءَ وَلَوْ دَبَّرَ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ وَهَبَهَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْحَمْلَ بَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ شَبِيهُ الِاسْتِثْنَاءِ وَلَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُ الْهِبَةِ فِيهِ لِمَكَانِ التَّدْبِيرِ فَبَقِيَ هِبَةُ الْمُشَاعِ أَوْ هِبَةُ شَيْءٍ هُوَ مَشْغُولٌ بِمِلْكِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعِوَضَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَعْضَ الْمَوْهُوبِ فَلِهَذَا بَطَلَ قَوْلُهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا سَوَاءٌ كَانَ الشَّرْطُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ أَوْ كَانَ الشَّيْءُ مُعَيَّنًا كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَوْ يُعَوِّضُهُ عَنْهَا شَيْئًا فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا لِأَنَّ اشْتِرَاطَ التَّعْوِيضِ فِي الْهِبَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ وَهَذَا مَجْهُولٌ وَبِهَذَا انْدَفَعَ إشْكَالُ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَبَعًا لِصَاحِبِ النِّهَايَةِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ بِهِ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَهِيَ وَالشَّرْطُ جَائِزَانِ فَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ بَطَلَ الشَّرْطُ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنْ يُعَوِّضَهُ عَنْهَا شَيْئًا مِنْ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ فَهُوَ تَكْرَارٌ مَحْضٌ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا اهـ.
فَإِنَّ كَلَامَهُ لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا كَانَ الْعِوَضُ مُعَيَّنًا وَلَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى كَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ ثُمَّ رَأَيْته صَرَّحَ بِهِ فَقَالَ أَقُولُ: إنَّ مُرَادَهُمْ مَا إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَجْهُولًا وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْعِوَضُ إذَا كَانَ مَعْلُومًا. اهـ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَهُوَ لَك أَوْ أَنْت مِنْهُ بَرِيءٌ أَوْ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ نِصْفَهُ فَلَكَ نِصْفُهُ أَوْ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ النِّصْفِ الْبَاقِي فَهُوَ بَاطِلٌ) لِأَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ إبْرَاءٌ وَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَلَوْ بَعْدَ الْمَجْلِسِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَإِسْقَاطٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ وَالتَّعْلِيقِ بِالشُّرُوطِ مُخْتَصٌّ بِالْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ التَّمْلِيكَاتِ وَلَا الْإِسْقَاطَاتِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَلَا الْإِسْقَاطَاتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا يَحْلِفُ بِهَا كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ النِّصْفِ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ إلَيَّ النِّصْفَ صَحَّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَعْلِيقٍ بَلْ تَقْيِيدٌ وَلِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِعَلَى هُوَ مَا بَعْدَهَا لَا مَا قَبْلَهَا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِمَدْيُونِهِ إنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ لِلْكَفِيلِ تَمْلِيكٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى يَرْجِعَ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِقَبُولٍ وَإِبْرَاءُ الْكَفِيلِ عَنْ الدَّيْنِ إسْقَاطٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى لَا يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَوْلُهُمْ إنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا أَبْرَأَ رَبُّ الدَّيْنِ بَدَلَ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ عَنْهُ تُوجِبُ انْفِسَاخَهُ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِفَسْخِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ وَفَرَّعَ قَاضِي خان عَلَى كَوْنِ الْبَرَاءَةِ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا مَا لَوْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ إنْ مِتَّ بِفَتْحِ التَّاءِ فَأَنْت بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ لَا يَبْرَأُ وَهُوَ مُخَاطَرَةٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ مِتُّ بِضَمِّ التَّاءِ فَأَنْت بَرِيءٌ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْك جَازَ وَيَكُونُ وَصِيَّةً وَلَوْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ إنْ لَمْ تَقْضِ مَا لِي عَلَيْك حَتَّى تَمُوتَ فَأَنْت فِي حِلٍّ فَهُوَ بَاطِلٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إذَا مِتَّ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ كَانَ وَصِيَّةً
(قَوْلُهُ وَصَحَّ الْعُمْرَى لِلْمُعَمَّرِ لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُخَاطَرَةٌ) كَأَنَّهُ لِاحْتِمَالِ مَوْتِ الدَّائِنِ قَبْلَهُ تَأَمَّلْ