فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ بَابِ مَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَخَاصَمَ الْبَائِعُ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ عِنْدَهُ فَاسْتَحْلَفَ فَنَكَلَ فَقَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ، وَأَلْزَمَهُ الْعَبْدَ ثُمَّ قَالَ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ كُنْت تَبَرَّأْتُ إلَيْهِ مِنْ هَذَا الْعَيْبِ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ. اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا شَكَّ فِيمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَرْضَى خَصْمُهُ، وَلَا يَحْلِفُ احْتِرَازًا عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ، وَإِنْ أَبَى خَصْمُهُ إلَّا حَلِفَهُ إنْ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُحِقٌّ لَا يُحَلِّفُهُ، وَإِنْ أَنَّهُ مُبْطِلٌ سَاغَ لَهُ الْحَلِفُ ادَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي مَالًا فَلَمْ يُقِرَّ، وَلَمْ يُنْكِرْ، وَقَالَ أَبْرَأَنِي الْمُدَّعِي عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى وَعَنْ حَلِفِهِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي بَرْهَنَ عَلَى دَعْوَاهُ حَلَفَ هُوَ عَلَى عَدَمِ الْإِبْرَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَخَالَفَهُمْ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ أَحْسَنُ، وَإِذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِنْكَارِ أَبْرَأَنِي الْمُدَّعِي وَطَلَبَ حَلِفَهُ عَلَى عَدَمِ الْإِبْرَاءِ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوَّلًا فَإِنْ نَكَلَ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي ذَكَرَهُمَا الْفَضْلِيُّ. اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ أَدَاءِ الْيَمِينِ انْقِطَاعُ الْخُصُومَةِ لِلْحَالِ مُؤَقَّتًا إلَى غَايَةِ إحْضَارِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَقِيلَ انْقِطَاعُهَا مُطْلَقًا فَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ بَعْدَ يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قُبِلَتْ عِنْدَ الْعَامَّةِ لَا عِنْدَ الْبَعْضِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ هِيَ الْحُجَّةُ فِي الْأَصْلِ فَأَمَّا الْيَمِينُ فَكَالْخُلْفِ عَنْ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهَا كَلَامُ الْخَصْمِ صُيِّرَ إلَيْهَا لِلضَّرُورَةِ فَإِذَا جَاءَ الْأَصْلُ انْتَهَى حُكْمُ الْخُلْفِ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ أَصْلًا، وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ احْلِفْ، وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ هَذَا الْحَقِّ الَّذِي ادَّعَيْتُ أَوْ أَنْت بَرِيءٌ مِنْ هَذَا الْحَقِّ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتَ بَرِيءٌ يَحْتَمِلُ الْبَرَاءَةَ لِلْحَالِ أَيْ بَرِيءٌ عَنْ دَعْوَاهُ وَخُصُومَتِهِ لِلْحَالِ وَيَحْتَمِلُ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْحَقِّ فَلَا يُجْعَلُ إبْرَاءً بِالشَّكِّ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ، وَهَلْ يَظْهَرُ كَذِبُ الْمُنْكِرِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ حَتَّى لَا يُعَاقَبَ عُقُوبَةَ شَاهِدِ الزُّورِ، وَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ أَنَّهُ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ فَادَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ فَحَلَفَ ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا، وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَظْهَرُ كَذِبُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَظْهَرُ. اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ. اهـ.
وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فَقَالَ الْمُدَّعِي امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ لَمْ يَكُنْ لِي عَلَيْك أَلْفٌ، وَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى حَقٍّ، وَقَضَى الْقَاضِي فُرِّقَ بَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُفَرَّقُ وَيُفْتَى بِأَنَّهُ يُفَرَّقُ، وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِأَنَّهُ قَدْ أَوْفَاهُ أَلْفًا قَبْلَ دَعْوَاهُ وَكَانَ تَفْرِيقُ الْقَاضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ وَتَطْلُقُ امْرَأَةُ الْمُدَّعِي إنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا هَذَا الْأَلْفُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَانِثٌ هَذَا إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْأَلْفِ أَمَّا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ لَمْ يُفَرِّقْ الْقَاضِي بَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ كَوْنُ الْأَلْفِ عَلَيْهِ، وَهَذَا مُحْتَمَلٌ وَالْقَاضِي يَقْضِي بِالْإِقْرَارِ بِالْأَلْفِ، وَالْإِقْرَارُ مُحْتَمَلٌ هَكَذَا ذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ. اهـ.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْفَتْوَى فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَدَفْعُ الدَّفْعِ وَدَفْعُهُ وَالْأَكْثَرُ صَحِيحٌ فِي الْمُخْتَارِ وَسَنَذْكُرُ تَمَامَهُ هُنَاكَ لَكِنْ سَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَوَّلِ فَصْلِ دَعْوَى الْخَارِجِينَ عَنْ النِّهَايَةِ مَا نَصُّهُ وَلَوْ لَمْ يُبَرْهِنَا حَلَفَ صَاحِبُ الْيَدِ فَإِنْ حَلَفَ لَهُمَا تُتْرَكُ فِي يَدِهِ قَضَاءَ تَرْكٍ لَا قَضَاءَ اسْتِحْقَاقٍ حَتَّى لَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ يُقْضَى بِهَا وَإِنْ نَكَلَ لَهُمَا جَمِيعًا يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ بَعْدَهُ إذَا أَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مِلْكُهُ لَا يُقْبَلُ وَكَذَا إذَا ادَّعَى أَحَدُ الْمُسْتَحَقِّينَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ لَا تُقْبَلُ لِكَوْنِهِ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ. اهـ.
وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ الْمُقَابِلِ لِلْقَوْلِ الْمُخْتَارِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْفَتْوَى فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ حَلَفَ أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَيْهِ الْمُدَّعِي فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ فِي يَمِينِهِ إذْ الْبَيِّنَةُ حُجَّةٌ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَظْهَرُ كَذِبُهُ فَيَحْنَثُ وَالْفَتْوَى فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ بِلَا سَبَبٍ فَحَلَفَ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَيْهِ يَظْهَرُ كَذِبُهُ وَلَوْ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ وَحَلَفَ أَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى السَّبَبِ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ لِجَوَازِ أَنْ وَجَدَ الْقَرْضَ ثُمَّ وَجَدَ الْإِيفَاءَ أَوْ الْإِبْرَاءَ (قت) حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ مَا لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَشَهِدَا عَلَيْهِ بِدَيْنٍ لَهُ، وَأَلْزَمَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ يُنْكِرُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْنَثُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ صَادِقٌ وَالْبَيِّنَةُ حُجَّةٌ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَلَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ فِي يَمِينِهِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي (ح) قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَشَهِدَا أَنَّ فُلَانًا أَقْرَضَهُ كَذَا قَبْلَ يَمِينِهِ وَحَكَمَ بِالْمَالِ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ شَيْئًا وَحَكَمَ بِهِ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ حِنْثِهِ وُجُوبَ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ عَلَيْهِ وَقْتَ الْيَمِينِ وَحِينَ شَهِدَا بِالْقَرْضِ لَمْ يَظْهَرْ كَوْنُ الْمَالِ عَلَيْهِ وَقْتَ الْحَلِفِ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ الْمَالَ عَلَيْهِ يَقُولُ الْحَقِيرُ قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا شَهِدَا مَحَلُّ نَظَرٍ إذْ كَيْفَ يَظْهَرُ كَوْنُ الْمَالِ عَلَيْهِ إذَا شَهِدَا بِأَنَّ الْمَالَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ مَرَّ آنِفًا أَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ ظَاهِرَةٌ فَلَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ فِي يَمِينِهِ، وَأَيْضًا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ فَعَلَى مَا ذُكِرَ ثَمَّ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَيْضًا إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْحَلِفَ عَلَيْهِمَا لَا يَكُونُ إلَّا بِطَرِيقِ الشَّرْطِ أَيْضًا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَّحِدَ حُكْمُ الْمَسْأَلَتَيْنِ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا وَالْفَرْقُ تَحَكُّمٌ فَالْعَجَبُ كُلَّ الْعَجَبِ مِنْ التَّنَاقُضِ بَيْنَ كَلَامَيْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَعَ أَنَّهُ إمَامُ ذَوِي الْأَدَبِ