(قَوْلُهُ: وَقُضِيَ لَهُ إنْ نَكَلَ مَرَّةً بِلَا أَحْلِفُ أَوْ سَكَتَ) ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَأَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَتَرَجَّحَ هَذَا الْجَانِبُ، وَلَا وَجْهَ لِرَدِّ الْيَمِينِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَاللَّامُ فِي لَهُ بِمَعْنَى عَلَى أَيْ قَضَى الْقَاضِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالسُّكُوتُ لِغَيْرِ آفَةٍ دَلَالَةُ النُّكُولِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْ بَابِ التَّحَالُفِ أَنَّ النُّكُولَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا إلَّا إذَا اتَّصَلَ الْقَضَاءُ بِهِ وَبِدُونِهِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا أَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ الْبَدَلِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ إقْرَارٌ فَلِأَنَّهُ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةُ الْبَدَلِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا بِانْفِرَادِهِ. اهـ. وَذَكَرَ بَعْدَهُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا نَكَلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِالتَّعْجِيزِ. اهـ.

أَيْ إذَا نَكَلَ عَنْ دَعْوَى السَّيِّدِ الْكِتَابَةَ وَذَكَرَ هُنَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النُّكُولُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ عَلَى فَوْرِ النُّكُولِ فِيهِ خِلَافٌ. اهـ.

وَلَمْ يُبَيِّنْ الْفَوْرَ بِمَاذَا يَكُونُ، وَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِيهَا، وَلَوْ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَمَا عُرِضَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ مَرَّتَيْنِ اسْتَمْهَلَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ مَضَتْ، وَقَالَ لَا أَحْلِفُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ حَتَّى يَنْكُلَ ثَلَاثًا وَيَسْتَقْبِلُ عَلَيْهِ الْيَمِينَ ثَلَاثًا، وَلَا يُعْتَبَرُ نُكُولُهُ قَبْلَ الِاسْتِمْهَالِ. اهـ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ طُرُقَ الْقَضَاءِ ثَلَاثَةٌ بَيِّنَةٌ، وَإِقْرَارٌ وَنُكُولٌ وَصَرَّحُوا بِأَنَّ مِنْهَا عِلْمَ الْقَاضِي بِشَيْءٍ يُنْفِذُ الْقَضَاءَ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ، وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَلَهُ الْقَضَاءُ بِهِ بِعِلْمِهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِلِاخْتِلَافِ، وَظَاهِرُ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ لِفَسَادِ قُضَاةِ الزَّمَانِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْقَسَامَةَ مِنْ طُرُقِ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ فَهِيَ خَمْسٌ وَزَادَ ابْنُ الْغَرْسِ سَادِسًا لَمْ أَرَهُ إلَى الْآنَ لِغَيْرِهِ فَقَالَ: وَالْحُجَّةُ إمَّا الْبَيِّنَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ أَوْ الْيَمِينُ أَوْ النُّكُولُ عَنْهُ أَوْ الْقَسَامَةُ أَوْ عِلْمُ الْقَاضِي بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ أَوْ الْقَرَائِنُ الدَّالَّةُ عَلَى مَا يُطْلَبُ الْحُكْمُ بِهِ دَلَالَةً وَاضِحَةً بِحَيْثُ تُصَيِّرُهُ فِي حَيِّزِ الْمَقْطُوعِ بِهِ فَقَدْ قَالُوا لَوْ ظَهَرَ إنْسَانٌ مِنْ دَارٍ، وَمَعَهُ سِكِّينٌ فِي يَدِهِ، وَهُوَ مُتَلَوِّثٌ بِالدِّمَاءِ سَرِيعُ الْحَرَكَةِ عَلَيْهِ أَثَرُ الْخَوْفِ فَدَخَلُوا الدَّارَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى الْفَوْرِ فَوَجَدُوا بِهَا إنْسَانًا مُذْ بُوحًا لِذَلِكَ الْحِينِ، وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِدِمَائِهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ غَيْرُ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي وُجِدَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الدَّارِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ إذْ لَا يَمْتَرِي أَحَدٌ فِي أَنَّهُ قَاتِلُهُ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ ذَبَحَ نَفْسَهُ أَوْ أَنَّ غَيْرَ ذَلِكَ الرَّجُلِ قَتَلَهُ ثُمَّ تَسَوَّرَ الْحَائِطَ فَذَهَبَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ إذْ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ دَلِيلٍ. اهـ.

قَيَّدْنَا السُّكُوتَ لِغَيْرِ آفَةٍ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ لِخَرَسٍ أَوْ طَرَشٍ عُذْرٌ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالنُّكُولِ لَا يَمْنَعُ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِمَا يُبْطِلُهُ لِمَا

ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ التَّحْلِيفَ لِلْمُدَّعِي عَلَى صِدْقِ الشَّاهِدِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَلَا وَجْهَ لِرَدِّ الْيَمِينِ) أَيْ عَلَى الْمُدَّعِي، وَقَوْلُهُ: لِمَا قَدَّمْنَاهُ إشَارَةٌ لِقَوْلِهِ وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» إلَخْ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ: إنَّ النُّكُولَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا إلَّا إذَا اتَّصَلَ الْقَضَاءُ بِهِ) أَمَّا الْإِقْرَارُ فَهُوَ حُجَّةٌ بِنَفْسِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ وَلَفْظُ فِيهِ مَجَازٌ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ عِنْدَ قَوْلِهِ فَإِنْ أَقَرَّ أَوْ أَنْكَرَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُبَيِّنْ الْفَوْرَ بِمَاذَا يَكُونُ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ هُوَ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنْ يَقْضِيَ عَقِبَهُ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ قَبْلَ تَكْرَارِهِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ (قَوْلُهُ: وَصَرَّحُوا بِأَنَّ مِنْهَا عِلْمَ الْقَاضِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ عِلْمَهُ الْحَادِثَ بَعْدَ تَقْلِيدِهِ الْقَضَاءَ فَلَا يُقْضَى إلَّا بِعِلْمِهِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لَمْ أَرَهُ إلَى الْآنَ لِغَيْرِهِ) صَرِيحُ قَوْلِ ابْنِ الْغَرْسِ فَقَدْ قَالُوا: إنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْهُمْ لَا أَنَّهُ قَالَهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَعَدَمُ رُؤْيَةِ الْمُؤَلِّفِ لَهُ لَا تَقْتَضِي عَدَمَ وُجُودِهِ فِي كَلَامِهِمْ وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَلَى الْمِنَحِ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَا زَادَهُ ابْنُ الْغَرْسِ غَرِيبٌ خَارِجٌ عَنْ الْجَادَّةِ فَلَا يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُعَضِّدْهُ نَقْلٌ مِنْ كِتَابٍ مُعْتَمَدٍ فَلَا تَغْتَرَّ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالنُّكُولِ لَا يَمْنَعُ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ) عِبَارَتُهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ مُحَشِّيهَا الْحَمَوِيُّ فِي الْخَانِيَّةِ فِي بَابِ مَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي مَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ وَعِبَارَتُهُ ادَّعَى عَبْدًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ لَهُ فَجَحَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَاسْتَحْلَفَهُ فَنَكَلَ، وَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ ثُمَّ إنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ اشْتَرَى هَذَا الْعَبْدَ مِنْ الْمُدَّعِي قَبْلَ دَعْوَاهُ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ كَانَ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ قَالَ كُنْت اشْتَرَيْته مِنْهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَيُقْضَى لَهُ. اهـ.

قُلْت: وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ دَفْعِ الدَّعْوَى عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَكَمَا يَصِحُّ الدَّفْعُ قَبْلَ الْبُرْهَانِ يَصِحُّ بَعْدَ إقَامَتِهِ أَيْضًا وَكَذَا يَصِحُّ قَبْلَ الْحُكْمِ كَمَا يَصِحُّ بَعْدَهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015