لَمْ يُبَيِّنُوا بَقِيَّةَ شَرَائِطِ دَعْوَى الدَّيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا دَعْوَى الْعَقْدِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي دَعْوَى الْبِضَاعَةِ الْوَدِيعَةِ بِسَبَبِ الْمَوْتِ مُجْهِلًا لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ مَوْتِهِ إذْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ مَوْتِهِ، وَفِي دَعْوَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِمَوْتِ الْمُضَارِبِ مُجْهِلًا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ أَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ يَوْمَ مَوْتِهِ نَقْدٌ أَوْ عَرَضٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَرَضًا فَلَهُ وِلَايَةُ دَعْوَى قِيمَةِ الْعَرَضِ، وَفِي دَعْوَى مَالِ الشَّرِكَةِ بِمَوْتِهِ مُجْهِلًا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ أَنَّهُ مَاتَ مُجْهِلًا لِمَالِ الشَّرِكَةِ أَمْ لِلْمُشْتَرِي بِمَالِ الشَّرِكَةِ إذْ مَالُ الشَّرِكَةِ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ وَالْمُشْتَرَى بِمَالِ الشَّرِكَةِ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ.
وَلَوْ ادَّعَى مَالًا بِكَفَالَةٍ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْمَالِ أَنَّهُ بِأَيِّ سَبَبٍ لِجَوَازِ بُطْلَانِهَا إذْ الْكَفَالَةُ بِنَفَقَةِ الْمَرْأَةِ إذَا لَمْ تُذْكَرْ مُدَّةٌ مَعْلُومَةٌ لَا تَصِحُّ إلَّا أَنْ يَقُولَ مَا عِشْت أَوْ مَا دَامَتْ فِي نِكَاحِهِ، وَالْكَفَالَةُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ لَا تَصِحُّ، وَكَذَا بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ، وَأَجَارَ الْمَكْفُولُ لَهُ الْكَفَالَةَ فِي مَجْلِسِ الْكَفَالَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ فِي مَجْلِسِهِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ مَالًا عَلَى وَرَثَةِ الزَّوْجِ لَمْ يَصِحَّ مَا لَمْ تُبَيِّنْ السَّبَبَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ دَيْنَ النَّفَقَةِ، وَهِيَ تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ، وَفِي دَعْوَى الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ لَوْ كَتَبَ تُوُفِّيَ بِلَا أَدَائِهِ وَخَلَّفَ مِنْ التَّرِكَةِ بِيَدِ هَذَا الْوَارِثِ مَا يَفِي تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ أَعْيَانَ التَّرِكَةِ وَبِهِ يُفْتَى.
لَكِنْ إنَّمَا يَأْمُرُ الْقَاضِي الْوَارِثَ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ لَوْ ثَبَتَ وُصُولُ التَّرِكَةِ إلَيْهِ، وَلَوْ أَنْكَرَ وُصُولَهَا إلَيْهِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ إلَّا بَعْدَ بَيَانِ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ فِي يَدِهِ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ، وَلَوْ ادَّعَى الدَّيْنَ بِسَبَبِ الْوِرَاثَةِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ كُلِّ وَرَثَتِهِ، وَفِي دَعْوَى السِّعَايَةِ لَا يَجِبُ ذِكْرُ قَابِضِ الْمَالِ، وَلَكِنْ فِي مَحْضَرِ دَعْوَاهَا لَا بُدَّ أَنْ يُفَسِّرَ السِّعَايَةَ لِنَنْظُرَ أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ سَعَى بِحَقٍّ فَلَا يَضْمَنُ، وَلَوْ ادَّعَى الضَّمَانَ عَلَى الْآمِرِ أَنَّهُ أَمَرَ فُلَانًا، وَأَخَذَ مِنْهُ كَذَا تَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى الْآمِرِ لَوْ سُلْطَانًا، وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا دَعْوَى الْعَقْدِ مِنْ بَيْعٍ، وَإِجَارَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَغَيْرِهَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الطَّوْعِ وَالرَّغْبَةِ بِأَنْ يَقُولَ بَاعَ مِنْهُ طَائِعًا وَرَاغِبًا فِي حَالِ نَفَاذِ تَصَرُّفِهِ لِاحْتِمَالِ الْإِكْرَاهِ، وَفِي ذِكْرِ التَّخَارُجِ وَالصُّلْحِ مِنْ التَّرِكَةِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَنْوَاعِ التَّرِكَةِ وَتَحْدِيدِ الْعَقَارِ وَبَيَانِ قِيمَةِ كُلِّ نَوْعٍ لِيَعْلَمَ أَنَّ الصُّلْحَ لَمْ يَقَعْ عَلَى أَزْيَدَ مِنْ قِيمَةِ نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ اسْتَهْلَكُوا التَّرِكَةَ ثُمَّ صَالَحُوا الْمُدَّعِيَ عَلَى أَزْيَدَ مِنْ نَصِيبِهِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمْ كَمَا فِي الْغَصْبِ، وَفِي دَعْوَى الْبَيْعِ مُكْرَهًا لَا حَاجَةَ إلَى تَعْيِينِ الْمُكْرَهِ هَذَا مَا حَرَّرْته مِنْ كَلَامِهِمْ.
(قَوْلُهُ: فَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْهَا) لِيَنْكَشِفَ وَجْهُ الْحُكْمِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَصِحَّ لَا يَسْأَلُهُ الْقَاضِي عَنْهَا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْجَوَابِ عَلَيْهِ لَهَا بِخِلَافِ الصَّحِيحَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ جَوَابُهَا وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمُدَّعِي، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ إذَا حَضَرَ الْخَصْمَانِ لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ مَالَكُمَا، وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ حَتَّى يَبْتَدِئهُ بِالْكَلَامِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ الْمُدَّعِي يَسْكُتُ الْآخَرُ وَيَسْمَعُ مَقَالَتَهُ فَإِذَا فَرَغَ يَقُولُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي مَاذَا تَقُولُ، وَقِيلَ إنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا كَانَ جَاهِلًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِدُونِ طَلَبِ الْمُدَّعِي. اهـ.
وَفِي شَهَادَاتِ الْخِزَانَةِ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَ رَجُلًا يُعَلِّمُ الْمُدَّعِيَ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةَ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا، وَلَا يُحْسِنُهَا. اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَمْنَعَ ذَا الْيَدِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الضَّيْعَةِ بِالدَّعْوَى وَطَلَبِ الْمُدَّعِي ذَلِكَ. اهـ.
وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ فَإِنْ أَقَرَّ أَوْ أَنْكَرَ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي قُضِيَ عَلَيْهِ) لِوُجُودِ الْحُجَّةِ الْمُلْزِمَةِ لِلْقَضَاءِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ، وَلَفْظُ الْقَضَاءِ فِي الْإِقْرَارِ مَجَازٌ لِلُزُومِهِ بِإِقْرَارِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَضَاءِ لِكَوْنِهِ حُجَّةً بِنَفْسِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ فَكَانَ الْحُكْمُ إلْزَامًا لِلْخُرُوجِ عَنْ مُوجَبِهِ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ خَبَرٌ مُحْتَمَلٌ وَبِالْقَضَاءِ يَصِيرُ حُجَّةً وَيَسْقُطُ احْتِمَالُ الْكَذِبِ. اهـ. وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - طَلَبَ الْخَصْمِ الْقَضَاءَ بَعْدَ الْحُجَّةِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيُعْلِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ يُرِيدُ الْقَضَاءَ، وَهَذَا أَدَبٌ غَيْرُ لَازِمٍ وَكَذَا قَوْلُ الْقَاضِي أَحْكُمُ أَدَبٌ غَيْرُ لَازِمٍ. اهـ.
وَظَاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُمْهِلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا اسْتَمْهَلَهُ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيُمْهِلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ قَالَ الْمَطْلُوبُ لِيَدْفَعَ، وَإِنَّمَا يُمْهِلُهُ هَذِهِ الْمُدَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ جُمُعَةٍ فَإِنْ كَانَ يَجْلِسُ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَمَعَ هَذَا يُمْهِلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ جَازَ فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ، وَلَمْ يَأْتِ بِالدَّفْعِ حَكَمَ. اهـ.
وَلِذَا كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَأْخِيرُ الْحُكْمِ بَعْدَ وُجُودِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَفِي دَعْوَى السِّعَايَةِ) أَيْ السِّعَايَةِ بِهِ إلَى الْحَاكِمِ.