عَلَى ذِي الْيَدِ تَصِحُّ عَلَى غَيْرِهِ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَدَّعِي عِلَّتَهُ التَّمْلِيكَ وَالتَّمَلُّكَ، وَهُوَ كَمَا يَتَحَقَّقُ مِنْ ذِي الْيَدِ يَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِهِ أَيْضًا فَعَدَمُ ثُبُوتِ الْيَدِ بِالْإِقْرَارِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى أَمَّا دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَدَعْوَى تَرْكِ التَّعَرُّضِ بِإِزَالَةِ الْيَدِ، وَطَلَبُ إزَالَتِهَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ وَبِإِقْرَارِهِ لَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ ذَا يَدٍ لِاحْتِمَالِ الْمُوَاضَعَةِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ اشْتِرَاطَ ثُبُوتِ الْيَدِ فِي الْعَقَارِ إنَّمَا هُوَ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَمَّا فِي دَعْوَى الْغَصْبِ وَالشِّرَاءِ فَلَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ دَعْوَى الْمِلْكِ فِي الْعَقَارِ لَا تُسْمَعُ إلَّا عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ وَدَعْوَى الْيَدِ تُقْبَلُ عَلَى غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ يُنَازِعُهُ فِي الْيَدِ فَيُجْعَلُ مُدَّعِيًا لِلْيَدِ مَقْصُودًا، وَمُدَّعِيًا لِلْمِلْكِ تَبَعًا لِمِلْكِ الْيَدِ. اهـ.

وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَطْلَقَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ أَنَّهُ يَصِحُّ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فِي الْعَقَارِ بِلَا بَيَانِ سَبَبِ الْمِلْكِ، وَفِي دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ فَصْلِ التَّنَاقُضِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَشَايِخَ فَرْغَانَةَ ذَكَرُوا أَنَّ الشَّرْطَ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ فِي بِلَادٍ قَدُمَ بِنَاؤُهَا بَيَانُ السَّبَبِ، وَلَا تُسْمَعُ فِيهِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ دَعْوَى الْمِلْكِ مِنْ الْأَصْلِ بِسَبَبِ الْخُطَّةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْبِلَادِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فَيَكُونُ كَذِبًا لَا مَحَالَةَ فَكَيْفَ يُقْضَى بِهِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِالْمُطْلَقِ لَمَا قُلْنَا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُقْضَى بِالْمِلْكِ بِسَبَبٍ وَذَلِكَ إمَّا سَبَبٌ مَجْهُولٌ أَوْ مَعْلُومٌ فَالْمَجْهُولُ لَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِهِ لِلْجَهَالَةِ وَالْمَعْلُومُ لِعَدَمِ تَعْيِينِ الْمُدَّعِي إيَّاهُ. وَالثَّالِثُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَوْ فُرِضَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ السَّبَبُ شِرَاءَ ذِي الْيَدِ مِنْ آخَرَ ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ سَابِقًا عَلَى تَمَلُّكِ ذِي الْيَدِ فَيُمْنَعُ الرُّجُوعُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَاحِقًا فَلَا يُمْنَعُ الرُّجُوعُ فَيَشْتَبِهُ وَكُلُّ هَذِهِ الرِّوَايَةِ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي الْمَنْقُولِ لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى التَّمَلُّكِ مِنْ الْأَصْلِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ) أَيْ وَذَكَرَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ يُطَالِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمُدَّعَى؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ حَقُّهُ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَرْهُونًا فِي يَدِهِ أَوْ مَحْبُوسًا بِالثَّمَنِ فِي يَدِهِ، وَإِنَّمَا يَزُولُ هَذَا الِاحْتِمَالُ بِالْمُطَالَبَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ دَيْنًا ذَكَرَ وَصْفَهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهِ، وَهُوَ بِالْوَصْفِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ نَقْدًا وَغَيْرَهُ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ فِي دَعْوَى الْمِثْلِيَّاتِ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ الْجِنْسَ وَالنَّوْعَ وَالصِّفَةَ وَالْقَدْرَ وَسَبَبَ الْوُجُوبِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخِزَانَةِ، وَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ عَشَرَةَ أَقْفِزَةِ حِنْطَةٍ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ بِأَيِّ سَبَبٍ لَا تُسْمَعُ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِسَبَبِ السَّلَمِ فَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي عَيَّنَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبِ الْقَرْضِ أَوْ بِسَبَبِ كَوْنِهَا ثَمَنَ الْمَبِيعِ يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْقَرْضِ وَالْبَيْعِ مَكَانَ الْإِيفَاءِ، وَإِنْ كَانَ بِسَبَبِ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ فَيَكُونُ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ لِتَسْلِيمِ الْحِنْطَةِ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ. اهـ.

وَفِيهَا، وَفِي دَعْوَى الْقَرْضِ يَذْكُرُ أَنَّ الْمُقْرِضَ أَقْرَضَهُ كَذَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا بِالْإِقْرَاضِ، وَالْوَكِيلُ بِالْإِقْرَاضِ سَفِيرٌ وَمُعِيرٌ لَا يُطَالِبُ بِالْأَدَاءِ وَيَذْكُرُ أَيْضًا وَصَرَفَ الْمُسْتَقْرِضُ ذَلِكَ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ لِيَصِيرَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْمُسْتَقْرَضُ لَا يَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ إلَّا بِصَرْفِهِ فِي حَوَائِجِ نَفْسِهِ، وَفِي الْقَرْضِ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ وَيَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ. اهـ.

وَأَمَّا الدَّعْوَى بِسَبَبِ الْإِقْرَارِ فِي الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ فَالْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْمَشَايِخِ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي طَرَفِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا تُسْمَعُ، وَإِنْ فِي طَرَفِ الدَّفْعِ تُسْمَعُ، وَالْبَيَانُ مَعَ التَّمَامِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخِزَانَةِ.

(قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) لِمَا قُلْنَا؛ وَلِأَنَّ صَاحِبَ الذِّمَّةِ قَدْ حَضَرَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمُطَالَبَةُ هَكَذَا جُزِمَ بِهِ فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ لَفْظَ وَأُطَالِبُهُ بِهِ بَلْ هُوَ أَوْ مَا يُفِيدُهُ مِنْ قَوْلِهِ مَرَّةً لِيُعْطِنِي حَقِّي كَمَا فِي الْعُمْدَةِ، وَأَمَّا أَصْحَابُ الْفَتَاوَى كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ فَجَعَلُوا اشْتِرَاطَهُ قَوْلًا ضَعِيفًا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَقَالَ لِي عَلَيْهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ الدَّعْوَى صَحِيحَةٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَقُلْ مَرَّةً لِيُعْطِنِي حَقِّي هَذَا فِي النَّوَازِلِ قَالَ أَبُو نَصْرٍ الصَّحِيحُ أَنَّهُ تُسْمَعُ الدَّعْوَى. اهـ.

وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا نَبَّهَ عَلَيْهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فِي كَلَامِ أَصْحَابِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ فِي الدَّعْوَى قُصُورًا فَإِنَّهُمْ

ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ اشْتِرَاطَ إلَخْ) أَقُولُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقَعُ كَثِيرًا وَيَغْفُلُ الْقُضَاةُ عَنْهَا فِي زَمَانِنَا حَيْثُ لَا يَتَعَرَّضُونَ إلَى الْبَيِّنَةِ عَلَى الْيَدِ مُطْلَقًا فَلِذَا نَظَمْتهَا بِقَوْلِي

وَالْيَدُ لَا تَثْبُتُ فِي الْعَقَارِ ... مَعَ التَّصَادُقِ فَلَا تُمَارِي

فَيَلْزَمُ الْبُرْهَانُ مَا لَمْ يَدَّعِ ... عَلَيْهِ غَصْبًا أَوْ شِرَاءً مُدَّعِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015