إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ حُدُودَهَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ الثِّقَاتِ عَنْ حُدُودِهَا لِلشَّهَادَةِ، وَلَكِنْ يَشْهَدُ بِالدَّارِ عَلَى إقْرَارِهِ، وَلَا يَشْهَدُ بِذِكْرِ الْحُدُودِ عَلَى إقْرَارِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ كَاذِبًا. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ فِي يَدِهِ) أَيْ وَذَكَرَ الْمُدَّعِي أَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ خَصْمًا بِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا جَعَلْت الضَّمِيرَ عَائِدًا إلَى الْمُدَّعَى الشَّامِلِ لِلْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ، وَلَمْ أَخْصُصْهُ بِالْعَقَارِ كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُ لِكَوْنِهِ شَرْطًا فِيهِمَا، وَفِي الْمَنْقُولِ يَجِبُ أَنْ يَقُولَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ إذْ الشَّيْءُ قَدْ يَكُونُ فِي يَدِ غَيْرِ الْمَالِكِ بِحَقٍّ كَالرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ غَصَبَ قِنًّا فَبَرْهَنَ آخَرُ أَنَّهُ لَهُ، وَقُضِيَ لَهُ بِهِ ثُمَّ بَرْهَنَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ عَلَى الْغَاصِبِ أَنَّهُ لَهُ لَا تُقْبَلُ إذْ دَعْوَى الْمِلْكِ لَا تَصِحُّ إلَّا عَلَى ذِي الْيَدِ لَكِنْ لَوْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ أَنَّك غَصَبْتَ مِنِّي تُسْمَعُ دَعْوَاهُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ دَعْوَاهُ الضَّمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ تَصِحُّ وَإِنْ كَانَ الْعَيْنُ فِي يَدِ غَاصِبِ الْغَاصِبِ، وَفِي دَعْوَى غَاصِبِ نِصْفِ الدَّارِ شَائِعًا هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُبَيِّنَ كَوْنَ جَمِيعِ الدَّارِ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قِيلَ يُشْتَرَطُ إذْ غَصْبُ نِصْفِهِ شَائِعًا لَا يَكُونُ إلَّا بِكَوْنِ كُلِّهِ بِيَدِهِ، وَقِيلَ غَصْبُ نِصْفِهِ شَائِعًا يُتَصَوَّرُ بِأَنْ تَكُونَ الدَّارُ بَيْنَهُمَا فَغَصَبَ مِنْ أَحَدِهِمَا يَكُونُ غَصْبًا لِنِصْفِهِ شَائِعًا. اهـ.
قَيَّدَ بِالدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا بِمَنْقُولٍ أَنَّهُ مِلْكُ الْمُدَّعِي تُقْبَلُ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا شَهِدُوا بِالْمِلْكِ، وَمِلْكُ الْإِنْسَانِ لَا يَكُونُ فِي يَدِ غَيْرِهِ إلَّا بِعَارِضٍ وَالْبَيِّنَةُ تَكُونُ عَلَى مُدَّعِي الْعَارِضِ، وَلَا تَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الْأَصْلِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا لَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا تُقْطَعُ يَدُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَفِيمَا سِوَى الْعَقَارِ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَرَاهُ فِي يَدِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَيَانِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا تَثْبُتُ الْيَدُ فِي الْعَقَارِ بِتَصَادُقِهِمَا بَلْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ) نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ إذْ الْعَقَارُ عَسَاهُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ مُشَاهَدَةٌ قَيَّدَ بِالدَّعْوَى لِمَا فِي شَهَادَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ شَهِدُوا أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَلَمْ يَقُولُوا فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ يُفْتَى بِالْقَبُولِ قَالَ الصَّدْرُ الْأَجَلُّ الْحَلْوَانِيُّ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يُمْكِنُهُ الْمُطَالَبَةُ بِالتَّسْلِيمِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، وَقِيلَ يَقْضِي فِي الْمَنْقُولِ، وَلَا يَقْضِي فِي الْعَقَارِ حَتَّى يَقُولُوا إنَّهُ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ لَا فِي حَقِّ الْمُطَالَبَةِ بِالتَّسْلِيمِ.
حَتَّى قَالُوا لَوْ سَأَلَ الْقَاضِي الشَّاهِدَ أَهُوَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَالَ لَا أَدْرِي يُقْبَلُ عَلَى الْمَالِكِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ، وَفِي دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الصُّغْرَى ادَّعَى عَلَى آخَرَ ضَيْعَةً أَنَّهَا لَهُ فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهَا فِي يَدِهِ وَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى أَنَّهَا مِلْكُهُ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْمِلْكِ لَهُ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يُثْبِتْ الْيَدَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ يَعْلَمُ الْحَاكِمُ، وَفِيهِ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ الْعَقَارُ فِي يَدِي يُحَلِّفُهُ حَتَّى يُقِرَّ فَإِذَا أَقَرَّ بِالْيَدِ يُحَلِّفُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكَهُ حَتَّى يُقِرَّ بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي فَإِذَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ يَأْمُرُهُ بِتَرْكِ التَّعَرُّضِ لَكِنْ إنْ أَرَادَ أَنْ يُبَرْهِنَ أَنَّهَا مِلْكُهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ قَدْ يَبْعُدُ عَنْ الْعَقَارِ عَادَةً فَأَمْكَنَ أَنْ يَتَوَاضَعَ اثْنَانِ وَيُقِرَّ أَحَدُهُمَا بِالْيَدِ وَيُبَرْهِنُ الْآخَرُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ وَيُسَامِحُ فِي الشُّهُودِ ثُمَّ يَدْفَعُ الْمَالِكُ مُعَلِّلًا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، وَهَذِهِ التُّهْمَةُ فِي الْمَنْقُولِ مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ لَا تَنْقَطِعُ عَنْ الْمَنْقُولِ عَادَةً بَلْ يَكُونُ فِي يَدِهِ فَانْدَفَعَ بِهِ مَا قِيلَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ تُهْمَةُ الْمُوَاضَعَةِ ثَابِتَةٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ فَيَقْضِي فِي الْمَنْقُولِ بِإِقْرَارِهِ بِالْيَدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمِيعُ الْكُتُبِ. اهـ.
وَهَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْعِلْمِ فِي الْعَقَارِ إنَّمَا هُوَ لِصِحَّةِ الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ بِالْبَيِّنَةِ لَا لِصِحَّةِ الدَّعْوَى كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ، وَلَوْ كَانَ لَهَا لَمْ يَحْلِفْ قَبْلَهُ كَمَا لَا يَخْفَى.
ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ أَنْوَاعِ الدَّعَاوَى الدَّعْوَى فِي الْعَقَارِ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْعَقَارِ إذَا ادَّعَاهُ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَمَّا إذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ، وَإِقْرَارَهُ بِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَأَنْكَرَ الشِّرَاءَ، وَأَقَرَّ بِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى كَوْنِهِ فِي يَدِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ دَعْوَى الْفِعْلِ كَمَا تَصِحُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ فِي يَدِ مَنْ (عَدَّهُ) لَوْ كَانَ الْحَدُّ أَرْضَ الْوَقْفِ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ الْمَصْرِفَ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ لَوْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ اشْتِرَاطَ ذِكْرِ الْمُدَّعِي كَوْنَ الْمُدَّعِي فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ دُونَ دَعْوَى الضَّمَانِ وَكَذَا دُونَ دَعْوَى الشِّرَاءِ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: فَانْدَفَعَ بِهِ مَا قِيلَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ) أَجَابَ فِي الدُّرَرِ عَنْ اعْتِرَاضِ الْوِقَايَةِ وَاعْتَرَضَهُ مُحَشُّوهُ وَلِلْمُحَقِّقِ سَعْدِيٍّ جَلْبِي فِي حَوَاشِي الْهِدَايَةِ تَحْقِيقٌ نَفِيسٌ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَرَاجِعْهُ