تَفْسِيرُ دَعْوَى الْغَلَطِ فِي أَحَدِ الْحُدُودِ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَحَدُ الْحُدُودِ لَيْسَ مَا ذَكَرَهُ الشَّاهِدُ أَوْ يَقُولَ صَاحِبُ الْحَدِّ لَيْسَ بِهَذَا الِاسْمِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّاهِدُ وَكُلُّ ذَلِكَ نَفْيٌ وَالشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ لَا تُقْبَلُ. اهـ.
وَفِي الْمُلْتَقَطِ قَالَ الْخَصَّافُ إذَا قَضَيْت بِثَلَاثَةِ حُدُودٍ أَجْعَلُ الْحَدَّ الرَّابِعَ يَمْضِي بِإِزَاءِ الْحَدِّ الثَّالِثِ حَتَّى يُحَاذِيَ الْحَدَّ الْأَوَّلَ يَعْنِي عَلَى الِاسْتِقَامَةِ. اهـ.
ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ شَهِدَ عَلَى دَعْوَى أَرْضٍ أَنَّهَا خَمْسَةُ مَكَايِيلَ، وَأَصَابَ فِي بَيَانِ حُدُودِهَا، وَأَخْطَأَ فِي الْمِقْدَارِ قُبِلَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَسْمَاءُ أَصْحَابِهَا) أَيْ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَقَارًا ذَكَرَ أَسْمَاءَ أَصْحَابِهَا؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ، وَأَسْمَاءَ أَنْسَابِهِمْ لِيَتَمَيَّزُوا عَنْ غَيْرِهِمْ (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَدِّ إنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا) ؛ لِأَنَّ تَمَامَ التَّعْرِيفِ بِهِ فَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا اكْتَفَى بِذِكْرِهِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِشُهْرَةِ الدَّارِ عَنْ تَحْدِيدِهَا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْحَدُّ لَزِيقُ أَرْضِ وَقْفٍ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْوَاقِفِ وَحْدَهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ الْمَصْرِفَ، وَأَنْ يَذْكُرَ أَنَّهُ فِي يَدِ مَنْ. وَلَوْ قَالَ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا يَجُوزُ وَيَكُونُ كَذِكْرِ الْوَاقِفِ، وَقِيلَ لَا، وَلَوْ قَالَ لَزِيقُ مِلْكِ وَرَثَةِ فُلَانٍ لَا يَكْفِي إذْ الْوَرَثَةُ مَجْهُولُونَ مِنْهُمْ ذُو فَرْضٍ، وَمِنْهُمْ عَصَبَةٌ، وَمِنْهُمْ ذُو رَحِمٍ فَجُهِلَتْ فَاحِشَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّهَادَةَ بِأَنَّ هَذَا وَارِثُ فُلَانٍ لَا تُقْبَلُ لِجَهَالَتِهِ فِي الْوَارِثِ، وَقِيلَ يَصِحُّ لَوْ كَتَبَ لَزِيقُ أَرْضِ وَرَثَةِ فُلَانٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ قِيلَ يَصِحُّ، وَقِيلَ لَا كَتَبَ لَزِيقَ دَارٍ مِنْ تَرِكَةِ فُلَانٍ يَصِحُّ حَدًّا كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَوْ جَعَلَ أَحَدَ حُدُودِهِ أَرْضًا لَا يَدْرِي مَالِكَهَا لَا يَكْفِي مَا لَمْ يُقَلْ هُوَ فِي يَدِ فُلَانٍ حَتَّى تَحْصُلَ الْمَعْرِفَةُ، وَلَوْ جَعَلَ أَحَدَ الْحُدُودِ أَرْضَ الْمَمْلَكَةِ يَصِحُّ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ فِي يَدِ مَنْ؛ لِأَنَّ أَرْضَ الْمَمْلَكَةِ فِي يَدِ السُّلْطَانِ بِوَاسِطَةِ يَدِ نَائِبِهِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ اسْمَ ذِي الْيَدِ يَكْفِي لَوْ كَانَ الْحَدُّ أَرْضًا لَا يَدْرِي مَالِكُهُ. اهـ.
وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ ذِكْرَ الْكُنْيَةِ بِالْأَبِ أَوْ الِابْنِ لَا تَكْفِي عَنْ الْحَدِّ إلَّا إذَا كَانَ مَشْهُورًا كَأَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى. اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي أَنَّ التَّعْرِيفَ بِالْحِرْفَةِ لَا يَكْفِي عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالصِّنَاعَةِ كَفَى، وَإِنْ نَسَبَهَا إلَى زَوْجِهَا يَكْفِي وَالْمَقْصُودُ الْإِعْلَامُ، وَلَوْ ذَكَرَ اسْمَ الْمَوْلَى وَاسْمَ أَبِيهِ لَا غَيْرُ ذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَكْفِي وَبِهِ يُفْتِي لِحُصُولِ التَّعْرِيفِ بِذِكْرِ ثَلَاثَةٍ الْعَبْدُ وَالْمَوْلَى، وَأَبُوهُ. اهـ.
وَقِيَاسُهُ فِي بَيَانِ أَسْمَاءِ أَصْحَابِ الْحُدُودِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، وَفِي الْمُلْتَقَطِ وَرُبَّمَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذِكْرِ الْجَدِّ، وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ جَدَّهُ لَا يُمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ إلَّا بِذِكْرِ مَوَالِيهِ أَوْ ذِكْرِ حِرْفَتِهِ أَوْ وَطَنِهِ أَوْ دُكَّانِهِ أَوْ حِلْيَتِهِ فَإِنَّ التَّمْيِيزَ هُوَ الْمَقْصُودُ فَلْيَحْصُلْ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ. اهـ.
وَأَمَّا حُكْمُ الشَّهَادَةِ بِالْمَحْدُودِ فَفِي دَعْوَى الْخَانِيَّةِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي فَصْلِ دَعْوَى الدُّورِ وَالْأَرَاضِي فَلْيُرَاجِعْ مَنْ أَرَادَهُ فِي شَهَادَةِ الْخِزَانَةِ رَجُلٌ أَشْهَدَ عَلَى مِلْكِ دَارٍ بِعَيْنِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ الْمُدَّعِي بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ لَك فَلَا يَكُونُ حِينَئِذٍ بِدَعْوَى الْغَلَطِ بَعْدَهُ مُنَاقِضًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَصَّلَ، وَأَيْضًا يُمْكِنُ أَنْ يَغْلَطَ بِمُخَالَفَتِهِ لِتَحْدِيدِ الْمُدَّعِي فَلَا تَنَاقُضَ.
(قَوْلُهُ: وَكُلُّ ذَلِكَ نَفْيٌ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقُولُ: لَوْ قَالَ بَعْضُ حُدُودِهِ كَذَا لَا مَا ذَكَرَهُ الشَّاهِدُ وَالْمُدَّعِي يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إثْبَاتُهُ أَنَّ بَعْضَ حُدُودِهِ كَذَا فَيَنْتَفِي مَا ذَكَرَهُ الْمُدَّعِي ضِمْنًا فَيَكُونُ شَهَادَةً عَلَى الْإِثْبَاتِ لَا عَلَى النَّفْيِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَسْأَلَةٌ ذُكِرَتْ فِي فَصْلِ التَّنَاقُضِ أَنَّهُ ادَّعَى دَارًا مَحْدُودَةً فَأَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ مِلْكِي، وَفِي يَدِي ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ غَلِطَ فِي بَعْضِ حُدُودِهِ لَمْ يُسْمَعْ؛ لِأَنَّ جَوَابَهُ إقْرَارٌ بِأَنَّهُ بِهَذِهِ الْحُدُودِ، وَهَذَا إذَا أَجَابَ بِأَنَّهُ مِلْكِي أَمَّا لَوْ أَجَابَ بِقَوْلِهِ لَيْسَ هَذَا مِلْكُك وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ يُمْكِنُ الدَّفْعُ بَعْدَهُ بِخَطَأِ الْحُدُودِ كَذَا حُكِيَ عَنْ (طَه) أَنَّهُ لَقَّنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّفْعَ بِخَطَأِ الْحُدُودِ أَقُولُ: دَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى الْغَلَطِ يُقْبَلُ فَدَلَّ عَلَى ضَعْفِ الْجَوَابَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَالْحَقُّ مَا قُلْت مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّفْصِيلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ فِي هَذَا الْبَحْثِ مَحَلُّ نَظَرٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَأَمَّلْ وَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ وَلَوْ شَهِدَ إلَخْ) أَقُولُ: عِبَارَةُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ شَهِدَا بِمِلْكِيَّةِ أَرْضٍ وَحَدَّاهُ، وَقَالَا هُوَ بِمِقْدَارِ خَمْسَةِ مَكَايِيلَ بَذْرٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي ذَلِكَ، وَأَصَابُوا فِي الْحَدِّ لَا الْمِقْدَارِ فَظَهَرَ أَنَّهُ يَسَعُ فِيهِ ثَلَاثَةَ مَكَايِيلَ بَذْرٍ قِيلَ تُرَدُّ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ، وَقِيلَ تُقْبَلُ إذْ بَيَانُ الْقَدْرِ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَصَارَ ذِكْرُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً وَنَصَّ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ ذِكْرَ الشَّاهِدِ فِي شَهَادَتِهِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْحُكْمِ بِالْمَشْهُودِ بِهِ وَلَا ذِكْرَهُ سَوَاءٌ، وَقِيلَ لَوْ شَهِدَ بِحَضْرَةِ الْأَرْضِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ يُقْبَلُ وَيَلْغُو ذِكْرُ الْوَصْفِ وَهُوَ قَدْرُ الْبَذْرِ، وَلَوْ شَهِدَا بِغَيْبَةِ الْأَرْضِ لَا تَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا مِلْكِيَّةُ أَرْضٍ يَسَعُ فِيهِ خَمْسَةُ مَكَايِيلَ بَذْرٍ أَقُولُ: قَدْ مَرَّ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْإِشَارَةِ لَغْوٌ فِي الْبَيْعِ وَالْأَثْمَانِ أَمَّا فِي بَابِ الشَّهَادَةِ لَوْ شَهِدَا بِوَصْفٍ فَظَهَرَ خِلَافُهُ لَا يُقْبَلُ إلَخْ، وَهَذَا يُخَالِفُ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ فَظَهَرَ أَنَّ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ اخْتِلَافًا. اهـ.
(قَوْلُهُ: أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْحَدُّ لَزِيقَ أَرْضِ وَقْفٍ إلَخْ) عِبَارَةُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ ذَكَرَ فِي الْحَدِّ لَزِيقَ أَرْضِ الْوَقْفِ لَا يَكْفِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا وَنَحْوِهِ أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا، وَمَا يَتْلُوهُ مِنْ جِنْسِهِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ إلَّا بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ تَضْيِيقٌ بِلَا ضَرُورَةٍ (فش) جَعَلَا أَحَدَ الْحُدُودِ أَرْضَ الْوَقْفِ عَلَى مَصَالِحِ كَذَا وَلَمْ يَذْكُرَا أَنَّهُ فِي يَدِ مَنْ لَا يَصِحُّ وَلَوْ ذَكَرَ أَرْضَ الْوَقْفِ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا يَجُوزُ وَيَكُونُ كَذِكْرِ الْوَاقِفِ، وَقِيلَ لَا يَثْبُتُ التَّعْرِيفُ بِذِكْرِ الْوَاقِفِ