الْقَوَدِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ إنَّهُ لَا حَقَّ لَهُنَّ فِيهِ أَوْ بِصِحَّةِ ضَمَانِ الْخَلَاصِ وَأَلْزَمَهُ تَسْلِيمَ الدَّارِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ بِالزِّيَادَةِ فِي مَعْلُومِ الْإِمَامِ مِنْ أَوْقَافِ الْمَسْجِدِ أَوْ بِحِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْمُحَلِّلِ بِلَا دُخُولٍ عَمَلًا بِقَوْلِ سَعِيدٍ أَوْ بِعَدَمِ تَمَلُّكِ الْكُفَّارِ مَالَ الْمُسْلِمِ الْمُحْرَزِ بِدَرَاهِم أَوْ بِجَوَازِ بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَوْ بِصِحَّةِ صَلَاةِ الْمُحْدِثِ أَوْ بِالْقَسَامَةِ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِتَلَفِ الْمَالِ قِيَاسًا عَلَى النَّفْسِ أَوْ بِحَدِّ الْقَذْفِ بِحُكْمِ التَّعْرِيضِ أَوْ بِقُرْعَةٍ فِي رَقِيقٍ أَعْتَقَ الْمَيِّتُ مِنْهُمْ وَاحِدًا أَوْ بِعَدَمِ جَوَازِ تَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ فِي مَالِهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ مَنْقُولَةٌ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْقُنْيَةِ وَالصَّيْرَفِيَّةِ وَفِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ لِلْأَسْيُوطِيِّ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى السُّبْكِيّ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يُنْقَضُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إذَا كَانَ حُكْمًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ قَالَ وَمَا خَالَفَ شَرْطَ الْوَاقِفِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَهُوَ حُكْمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ نَصُّهُ فِي الْوَقْفِ نَصًّا أَوْ ظَاهِرًا. اهـ.
وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ مَشَايِخِنَا كَغَيْرِهِمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَقْضِيِّ بِهِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَنْفُذُ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ لَا يُوجَدُ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَإِذَا قَضَى فَحِينَئِذٍ يُوجَدُ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ وَالِاجْتِهَادِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ آخَرَ يُرَجِّحُ أَحَدَهُمَا وَذَلِكَ مِثْلُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَلِلْغَائِبِ وَقَضَاءِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَشَهَادَتِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ الْمَفْقُودِ إذَا رَأَى الْقَاضِي الْمَصْلَحَةَ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ لَهُ فَحَكَمَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفُذَ حَتَّى يُمْضِيَهُ قَاضٍ آخَرُ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ كَمَا لَوْ كَانَ الْقَاضِي مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ فَإِنَّ نَفَاذَ قَضَائِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنْ يُمْضِيَهُ قَاضٍ آخَرُ أُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ بَلْ الْمُجْتَهِدُ سَبَبُهُ وَهُوَ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ هَلْ تَكُونُ حُجَّةً لِلْقَضَاءِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ أَمْ لَا فَإِذَا قَضَى بِهَا نَفَذَ كَمَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْفَتْوَى عَلَى هَذَا. اهـ.
فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا يَقْضِي عَلَى غَائِبٍ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ نَفَاذَ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ مَوْقُوفٌ عَلَى تَنْفِيذِ قَاضٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ. اهـ.
وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ قَرِيبًا وَفِي الْإِصْلَاحِ وَيَمْضِي حُكْمُ قَاضٍ قَالَ فِي الْإِيضَاحِ لَمْ يَقُلْ حَاكِمٌ احْتِرَازًا عَنْ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ غَيْرُ هَذَا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَوْلِهِ آخَرُ لِيَعُمَّ حُكْمَ نَفْسِهِ قَبْلَ ذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ وَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لَا فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ) أَيْ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ لَهَا سَبَبٌ مُعَيَّنٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَنْفُذُ إلَّا ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ حُجَّةٌ ظَاهِرًا فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ غَيْرَ أَهْلٍ لَهَا وَلَهُ قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ شَاهِدَاك زَوْجَاك وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَوْ لَمْ يَنْفُذْ بَاطِنًا كَانَ تَمْهِيدًا لَهَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَمَّا الِاسْتِشْهَادُ بِتَفْرِيقِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ اهـ.
يَعْنِي: بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْكَذِبَ لَيْسَ هُوَ فِي الْإِخْبَارِ بِالْفُرْقَةِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الرَّمْيِ بِالزِّنَا أَوْ نَفْيِ الْوَلَدِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ النِّكَاحِ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الْوَجْهُ وَمِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا وَهِيَ جَاحِدَةٌ وَأَقَامَ بَيِّنَةَ زُورٍ فَقَضَى بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا حَلَّ لِلْمُدَّعِي وَطْؤُهَا وَلَهَا التَّمْكِينُ عِنْدَهُ.
وَكَذَا إذَا ادَّعَتْ نِكَاحًا عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يَجْحَدُ وَمِنْهَا قَضَى بِبَيْعِ أَمَةٍ بِشَهَادَةِ زُورٍ حَلَّ لِلْمُنْكِرِ وَطْؤُهَا وَكَذَا فِي الْفُسُوخِ بِالْبَيْعِ وَالْإِقَالَةِ وَمِنْهَا ادَّعَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَهُوَ يُنْكِرُ وَأَقَامَتْ بَيِّنَةَ زُورٍ فَقَضَى بِالْفُرْقَةِ فَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ بَعْدَ الْعِدَّةِ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ عَلِمَ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ وَحَلَّ لِأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ أَوْ بِصِحَّةِ ضَمَانِ الْخَلَاصِ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَبِيعُ دَارِهِ مِنْ إنْسَانٍ وَيَضْمَنُ لَهُ الْخَلَاصَ أَوْ غَيْرُ الْبَائِعِ يَضْمَنُ لَهُ الْخَلَاصَ وَتَفْسِيرُهُ أَنَّهُ لَوْ جَاءَ مُسْتَحِقٌّ وَاسْتَحَقَّهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْخَلَاصِ يَسْتَخْلِصُ الدَّارَ مِنْ يَدِ الْمُسْتَحِقِّ إمَّا شِرَاءً أَوْ هِبَةً أَوْ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَإِذَا ضَمِنَ كَذَلِكَ ثُمَّ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ فَرَفَعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ يَرَى ذَلِكَ الضَّمَانَ صَحِيحًا فَقَضَى عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ الدَّارِ ثُمَّ رَفَعَ إلَى آخَرَ لَا يَرَاهُ فَإِنَّهُ يُبْطِلُهُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ وَهَذَا التَّفْسِيرُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتِيَارُ الْخَصَّافِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَهُوَ وَالْعُهْدَةُ وَالدَّرْكُ وَاحِدٌ وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ أَوْ بِحَدٍّ بِحُكْمِ التَّعْرِيضِ) كَقَوْلِهِ لِآخَرَ أَمَّا أَنَا فَلَسْت بِزَانٍ (قَوْلُهُ لِيَعُمَّ حُكْمَ نَفْسِهِ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ الْحُكْمَ الصَّادِرَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَفِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ خِلَافُهُ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ قِيلَ هَلْ يَجُوزُ لِلْقَاضِي الْأَوَّلِ أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ الْحُكْمِ الصَّادِرِ مِنْهُ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ أَوْ الطَّرِيقِ الْوَاقِعَةِ عِنْدَهُ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا وَيَكُونُ هَذَا رَافِعًا لِلْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَلَا يُحْتَاجُ فِي نُفُوذِهِ عَلَى الْمُخَالِفِ إلَى قَاضٍ آخَرَ مُوَافِقٍ لِلْقَاضِي الْأَوَّلِ فِي الْمَذْهَبِ أَمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ شَرْعًا إذْ الْقَاضِي لَا يَقْضِي لِنَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا بُدَّ فِي نُفُوذِهِ عَلَى الْمُخَالِفِ مِنْ إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ مُوَافِقٍ لِمَذْهَبِهِ إلَى آخِرِ مَا قَرَّرَهُ فَتَأَمَّلْ.
[الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ]
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ) انْتَهَتْ إلَى هُنَا كِتَابَةُ النَّهْرِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْمُسْتَعَانِ عَلَى كُلِّ أَمْرٍ وَنَسْأَلُهُ التَّيْسِيرَ لِكُلِّ عَسِيرٍ