الْقُدُورِيِّ، وَأَمَّا عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ فَلَا وَعَلِمْت مِنْ هُنَا أَنَّ مَنْ قَالَ لَا اعْتِبَارَ بِخِلَافِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ اعْتَمَدَ قَوْلَ الْقُدُورِيِّ وَمَنْ قَالَ بِاعْتِبَارِ خِلَافِهِمَا اعْتَمَدَ مَا فِي الْجَامِعِ وَهَذَا لَمْ أُسْبَقْ إلَيْهِ وَإِنَّمَا رَأَيْت فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ مَا يُفِيدُهُ قَالَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ جَازَ قَضَاؤُهُ وَلَمْ يَكُنْ لِقَاضٍ آخَرَ أَنْ يُبْطِلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الِاخْتِلَافَ وَبِهِ نَأْخُذُ.
قُلْتُ: هَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي الْمَنْسُوبُ إلَى الْخَصَّافِ أَنَّ الْقَضَاءَ فِي مَوْضِعِ الِاخْتِلَافِ يَجُوزُ وَفِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ لَا يَجُوزُ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ مَا كَانَ فِيهِ خِلَافٌ مُعْتَبَرٌ كَالْخِلَافِ بَيْنَ السَّلَفِ وَأَرَادَ بِمَوْضِعِ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا وَلَمْ يَعْتَبِرْ بِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ قَالَ أُسْتَاذُنَا الْفَتْوَى عَلَى تَفَاصِيلِ أَدَبِ الْقَاضِي اهـ. فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَزَالَتْ اللَّبْسَ وَأَوْضَحَتْ كُلَّ تَخْمِينٍ وَحَدْسٍ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ وَتَفَاصِيلُ الْخَصَّافِ فَلِهَذَا السِّرِّ أَوْرَدَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مَا فِي الْجَامِعِ بَعْدَ الْقُدُورِيِّ فَالْآنَ نَذْكُرُ الْمَوَاضِعَ الَّتِي نَصَّ أَهْلُ الْمَذْهَبِ عَلَى مَسَائِلَ لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ فِيهَا أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْخَصَّافِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَلَا بَأْسَ بِسَرْدِهَا تَكْمِيلًا لِلْفَائِدَةِ هُنَا قَضَى بِبُطْلَانِ الدَّعْوَى بِمُضِيِّ سِنِينَ أَوْ فَرَّقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِعَجْزِهِ عَنْ النَّفَقَةِ حَالَ غَيْبَتِهِ أَوْ حَكَمَ بِصِحَّةِ نِكَاحِ مَزْنِيَّةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ أَوْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ أُمِّ مَزْنِيَّتِهِ أَوْ بِنْتِهَا أَوْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ أَوْ بِسُقُوطِ الْمَهْرِ بِلَا بَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَخْذًا بِقَوْلِ الْبَعْضِ إنْ قَدَّمَ النِّكَاحَ يُوجِبُ سُقُوطَ الْمَهْرِ أَوْ بِعَدَمِ تَأْجِيلِ الْعِنِّينِ أَوْ بِعَدَمِ صِحَّةِ الرَّجْعَةِ بِلَا رِضَاهَا أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَى الْحَامِلِ أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ أَوْ بِنِصْفِ الْجِهَازِ لِمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا بَعْدَ قَبْضِ الْمَهْرِ وَالتَّجْهِيزِ أَوْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ أَبِيهِ أَوْ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَوْ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ أَوْ بِمَا فِي دِيوَانِهِ وَقَدْ نَسِيَ وَبِشَهَادَةِ شَاهِدٍ عَلَى صَكٍّ لَمْ يَذْكُرْ مَا فِيهِ إلَّا أَنَّهُ يَعْرِفُ خَطَّهُ وَخَاتَمَهُ أَوْ بِشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ عَلَى قَضِيَّةٍ مَخْتُومَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُقْرَأَ عَلَيْهِ وَبِقَضَاءِ الْمَرْأَةِ فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ وَبِقَضَاءِ عَبْدٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ فِي قَسَامَةٍ بِقَتْلٍ.
أَوْ فَرَّقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِشَهَادَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الرَّضَاعِ أَوْ قَضَى لِوَلَدِهِ بِشَهَادَةِ الْأَجَانِبِ أَوْ حَكَمَ بِالْحَجْرِ عَلَى مُفْسِدٍ مُسْتَحَقٍّ لَهُ أَوْ بِصِحَّةِ بَيْعِ نَصِيبِ السَّاكِتِ مِنْ قِنٍّ حَرَّرَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مُعْسِرًا وَبِجَوَازِ بَيْعِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا أَوْ بِجَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ أَوْ بِبُطْلَانِ عَفْوِ الْمَرْأَةِ عَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ أَوْ بِسُقُوطِ الْمَهْرِ) صُورَتُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ مَتَى لَمْ تُخَاصِمْ زَوْجَهَا فِي الْمَفْرُوضِ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ ثُمَّ خَاصَمَتْهُ يَبْطُلُ حَقُّهَا فِي الصَّدَاقِ وَالْقَاضِي لَا يَلْتَفِتُ إلَى خُصُومَتِهَا شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ) قَالَ فِي الْمِنَحِ بَعْدَ هَذَا أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ الْحَائِضِ أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الزَّائِدِ عَلَى الْوَاحِدِ أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ بِكَلِمَةٍ أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ إلَخْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا سَقَطٌ مِنْ النَّاسِخِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَوْضَحُ وَهِيَ قَوْلُهُ قَالَ: وَكَذَلِكَ رَجُلٌ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا وَهِيَ حُبْلَى أَوْ حَائِضٌ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَقَضَى قَاضٍ بِإِبْطَالِ ذَلِكَ أَوْ أَبْطَلَ بَعْضَهُ فَرَفَعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يَرَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ قَضَاءُ الْقَاضِي بِذَلِكَ وَيَنْفُذُ عَلَى الزَّوْجِ مَا كَانَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الزَّيْغِ إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ وَهِيَ حُبْلَى أَوْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ لَا يَقَعُ أَصْلًا وَعَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ تَقَعُ وَاحِدَةً لَكِنْ كِلَا الْقَوْلَيْنِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} [البقرة: 230] الْآيَةَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ: وَالْمُرَادُ مِنْهُ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ فَمَنْ قَالَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ أَوْ تَقَعُ وَاحِدَةً فَقَدْ أَثْبَتَ الْحِلَّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ بِدُونِ الزَّوْجِ الثَّانِي وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ فَإِذَا رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ. اهـ.
أَقُولُ: وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَا ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الْمَنْسُوبَةِ إلَى ابْنِ كَمَالٍ بَاشَا مِنْ وُقُوعِ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ حُبْلَى أَوْ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا بَاطِلٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فَتَنَبَّهْ.
(قَوْلُهُ أَوْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ أَبِيهِ) صُورَتُهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا مَاتَ فَوَجَدَ ابْنُهُ خَطَّ أَبِيهِ فِي صَكٍّ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُ خَطُّ أَبِيهِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ الصَّكِّ؛ لِأَنَّ الِابْنَ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ شَرْحُ أَدَبِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ أَوْ فِي قَسَامَةٍ بِقَتْلٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ قَضَى بِمَا فِيهِ الْقَسَامَةُ بِالْقَتْلِ. اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ حَكَمَ بِالْحَجْرِ عَلَى مُفْسِدٍ) قَالَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ وَلَوْ أَنَّ قَاضِيًا حَجَرَ عَلَى رَجُلٍ فَاسِدٍ يَسْتَحِقُّ الْحَجْرَ فَجَاءَ قَاضٍ آخَرُ فَأَطْلَقَ حَجْرَهُ وَأَجَازَ مَا صَنَعَ كَانَ إطْلَاقُهُ جَائِزًا وَمَا صَنَعَ فِي مَالِهِ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ بَيْعٍ قَبْلَ إطْلَاقِهِ وَبَعْدَ إطْلَاقِهِ عَنْهُ جَازَ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِقَضَاءٍ لِعَدَمِ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَالْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بَلْ فَتْوَى مِنْهُ فَكَانَ لِلثَّانِي أَنْ لَا يَعْمَلَ بِهِ فَيُطْلَقَ وَالثَّانِي إنْ كَانَ قَضَاءً فَنَفْسُ الْقَضَاءِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَلَا يَكُونُ حَجْرًا مِنْهُ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ إنْ أَمْضَاهُ نَفَذَ وَصَارَ الْقَاضِي الثَّانِي بَيَانًا فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ وَالْبَيَانُ مِنْ الثَّانِي فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ وَلَوْ قَضَى فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَلَا يَكُونُ لِلثَّانِي أَنْ يَرُدَّهُ فَكَذَا إذَا بَيَّنَ الثَّانِيَ لَا يَكُونُ لِلثَّالِثِ أَنْ يَرُدَّهُ فَإِذَا رَدَّ الْقَاضِي الثَّانِي الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ بَطَلَ فَلَا يَكُونُ لِلثَّالِثِ أَنْ يُنَفِّذَهُ وَصَارَ هَذَا نَظِيرَ الْقَاضِي إذَا قَضَى فِي حَادِثَةٍ وَهُوَ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ فَإِنَّ هَذَا الْقَضَاءَ لَا يَكُونُ حُجَّةً حَتَّى يَتَّصِلَ بِهِ الْإِمْضَاءُ مِنْ الْقَاضِي الثَّانِي اهـ.
وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ فِيهِ وَالْقَضَاءُ بِالْحَجْرِ لَا يَنْفُذُ كَمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ فَتْوَى لَكِنْ لَوْ نَفَّذَهُ قَاضٍ آخَرُ نَفَذَ