فَلَوْ قَضَى فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَاسِيًا لِمَذْهَبِهِ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْعَامِدِ رِوَايَتَانِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفُذُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ فَفِي الْخَانِيَّةِ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَفَاذُ قَضَائِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ.
وَهَكَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَفِي الْمِعْرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَهَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي فَتَاوَى ظَهِيرِ الدِّينِ اسْتَحَقَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَنْقُضَهُ. اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْفَتْوَى وَالْوَجْهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ التَّارِكَ لِمَذْهَبِهِ عَمْدًا لَا يَفْعَلُهُ إلَّا لِهَوًى بَاطِلٍ لَا لِقَصْدٍ جَمِيلٍ، وَأَمَّا النَّاسِي فَلِأَنَّ الْمُقَلِّدَ مَا قَلَّدَهُ إلَّا لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِهِ لَا بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ فَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَإِنَّمَا وَلَّاهُ لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَمْلِكُ الْمُخَالَفَةَ فَيَكُونُ مَعْزُولًا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ عِبَارَاتِ الْمَشَايِخِ قَدْ اخْتَلَفَتْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي مَا إذَا قَضَى الْمُقَلِّدُ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ مُوَافِقًا لِمَذْهَبٍ مُجْتَهِدٍ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا وَقَضَى بِالْفَتْوَى ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِهِ نَفَذَ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ وَلَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ كَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَقَالَ الثَّانِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ أَيْضًا. اهـ.
وَهَكَذَا ذَكَرَ الْعِمَادِيُّ فِي الْفُصُولِ ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي إذَا قَضَى فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ يَرَى خِلَافَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ يَنْفُذُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا وَالصَّحِيحُ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِي بَعْضِهَا فِي نَفَاذِ الْقَضَاءِ وَفِي بَعْضِهَا فِي حِلِّ الْإِقْدَامِ عَلَى الْقَضَاءِ اهـ.
وَفِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى الْقَاضِي إذَا قَضَى بِقَوْلٍ مَرْجُوعٍ عَنْهُ جَازَ وَكَذَا لَوْ قَضَى فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ اهـ.
وَكَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَفِي مَآلِ الْفَتَاوَى قَضَى بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَنْفُذُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَنْفُذُ اهـ.
فَقَدْ تَحَرَّرَ أَنَّ الْقَاضِيَ الْمُقَلِّدَ إذَا قَضَى بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ وَكَذَا إذَا قَضَى بِرِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ أَوْ بِقَوْلٍ ضَعِيفٍ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِمْ أَنَّ الْقَوْلَ الضَّعِيفَ يَتَقَوَّى بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمُجْتَهِدِ ثَابِتٌ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ الْقَاضِي الْمُقَلِّدُ إذَا قَضَى بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ لَا يَنْفُذُ اهـ.
وَيُخَالِفُهُ مَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُهُ الشَّيْخُ عُمَرُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ حِينَ سُئِلَ عَنْ وَقْفٍ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ رَجَعَ الْوَاقِفُ عَنْهُ وَوَقَفَهُ عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى وَحَكَمَ بِهِ قَاضٍ حَنَفِيٌّ فَهَلْ يَصِحُّ الثَّانِي أَمْ الْأَوَّلُ أَجَابَ بِأَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ كَانَ الْفَتْوَى عَلَى خِلَافِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَكِنَّهُ تَأَيَّدَ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَفِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ لَهُ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ لَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ فِي وَاقِعَةٍ بِحُكْمٍ بِخِلَافِ مَذْهَبِ مُقَلَّدِهِ بِفَتْحِ اللَّامِ يَعْنِي الْإِمَامَ الَّذِي يُقَلِّدُهُ وَهَذَا إذَا كَانَ الْقَاضِي مُقَلِّدًا وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ كَالْقُضَاةِ الْحَنَفِيَّةِ فِي زَمَانِنَا مَثَلًا هَلْ يَصِحُّ قَضَاؤُهُ أَوْ لَا وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَاكِرًا لِمَذْهَبِهِ لَا يَجُوزُ وَإِلَّا جَازَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا اهـ.
وَمِنْ الْعَجِيبِ أَنَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ قَيَّدَ الْخِلَافَ بِعَكْسِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَقَالَ مَا نُقِلَ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ عَمْدًا وَقَعَ بَاطِلًا وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا عِنْدَهُ يَصِحُّ وَعِنْدَهُمَا لَا يَصِحُّ وَهَذَا إذَا كَانَ الْقَاضِي لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ قَضَاؤُهُ فِي الْحُكْمِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَكُونُ لِقَاضٍ آخَرَ أَنْ يُبْطِلَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَفِي الْعَامِدِ رِوَايَتَانِ) كَأَنَّهُ اقْتَصَرَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ النَّفَاذِ فَحَكَى الْإِجْمَاعَ حَيْثُ قَالَ كَمَا نَقَلَهُ الرَّمْلِيُّ عِنْدَ ذِكْرِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْخِلَافَ فِيمَا إذَا قَضَى بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ وَقَدْ نَسِيَهُ، وَأَمَّا إذَا قَضَى بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ حَالَ ذِكْرِ مَذْهَبِهِ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ بِالْإِجْمَاعِ اهـ.
لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ نَقَلَ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ فِي الْعَامِدِ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا قَالَ وَالْخِلَافُ ثَابِتٌ عَلَى الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ وَالْوَجْهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ نَقَلَ هَذَا فِي الْبُرْهَانِ عَنْ الْكَمَالِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا صَرِيحُ الْحَقِّ الَّذِي يُعَضُّ عَلَيْهِ بِالنَّوَاجِذِ (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ عِبَارَاتِ الْمَشَايِخِ قَدْ اخْتَلَفَتْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَمَا مَرَّ آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ كَوْنَهُ عَالِمًا بِالْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ وَفِي الْقُنْيَةِ الْقَاضِي الْمُقَلِّدُ إذَا قَضَى بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ لَا يَنْفُذُ وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْمُقَلِّدَ إذَا قَضَى بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ أَوْ بِرِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ أَوْ بِقَوْلٍ ضَعِيفٍ نَفَذَ وَأَقْوَى مَا تَمَسَّكَ بِهِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا وَقَضَى بِالْفَتْوَى إلَخْ وَمَا فِي الْفَتْحِ يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ وَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْهُمَا إذْ قُصَارَى الْأَمْرِ أَنَّ هَذَا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ النَّاسِي لِمَذْهَبِهِ وَقَدْ مَرَّ عَنْهُمَا فِي الْمُجْتَهِدِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ فَالْمُقَلِّدُ أَوْلَى.
(قَوْلُهُ يَعْنِي الْإِمَامَ الَّذِي يُقَلِّدُهُ) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ الَّذِي يُقَلِّدُهُ هُوَ بِزِيَادَةِ الضَّمِيرِ الْعَائِدِ إلَى الْقَاضِي.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَذْهَبُ الْمُجْتَهِدِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ مَثَلًا لَا السُّلْطَانُ الْمُقَلِّدُ بِكَسْرِ اللَّامِ (قَوْلُهُ وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ قَيَّدَ الْخِلَافَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ جَعَلَ الْخِلَافَ فِي نَفَاذِ قَضَائِهِ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ وَعَدَمُ نَفَاذِهِ فِي الْقَاضِي غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ عَكْسُ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ وَقَوْلُ الرَّمْلِيِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَا يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ عَكْسُهُ وَكَذَا قَوْلُهُ وَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. غَيْرُ ظَاهِرٍ.
ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَجِيهٌ فَإِنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا حَكَمَ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ عَمْدًا كَانَ ذَلِكَ رُجُوعًا عَنْ مَذْهَبِهِ الْأَوَّلِ لِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ وَوُجُوبِ اتِّبَاعِ مَا ظَهَرَ لَهُ ثَانِيًا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ خَالَفَهُ عَمْدًا يُحْمَلُ عَلَيْهِ لَا عَلَى أَنَّهُ نَسِيَ مَذْهَبَهُ وَحَكَمَ بِخِلَافِهِ إذَا الْأَصْلُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى النِّسْيَانِ إلَخْ