لَهُ مَانِعٌ فَاسْتَنَابَ خَطِيبًا مَكَانَهُ وَفِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ مَا يُفِيدُهُ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ فُرِّقَ بَيْنَ الْقَاضِي وَالْإِمَامَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِخْلَافَ إلَّا بِإِذْنٍ وَالْإِمَامُ لِلْجَامِعِ يَمْلِكُ بِدُونِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الضَّرُورَةَ مُتَحَقِّقَةٌ هَاهُنَا لِجَوَازِ أَنْ يَسْبِقَهُ الْحَدَثُ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلَوْ تَوَقَّفَ عَلَى الْإِذْنِ تَفُوتُ الْجُمُعَةُ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ. اهـ.

وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ مِنْ أَنَّ الْخَطِيبَ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ ابْتِدَاءً إلَّا بِإِذْنٍ لَا أَصْلَ لَهُ فَإِنَّمَا هُوَ فَهْمٌ فَهِمَهُ مِنْ بَعْضِ الْعِبَارَاتِ وَقَدْ صَرَّحَ الْعَلَّامَةُ مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ جِرْبَاشٍ شَيْخِ شَيْخِنَا فِي النُّجْعَةِ فِي تَعْدَادِ الْجُمُعَةِ بِأَنَّ إذْنَ السُّلْطَانِ بِإِقَامَةِ الْخُطْبَةِ شَرْطٌ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَيَكُونُ الْإِذْنُ مُنْسَحِبًا لِتَوَلِّيَةِ النُّظَّارِ الْخُطَبَاءِ وَإِقَامَةِ الْخَطِيبِ نَائِبًا وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ لِكُلِّ خَطِيبٍ وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي الْجُمُعَةِ ثُمَّ إنْ أَحْدَثَ الْخَطِيبُ بَعْدَمَا خَطَبَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ إلَّا مَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ فِيهَا فَلَا تَنْعَقِدُ بِدُونِهَا وَإِنْ كَانَ شَرَعَ فِيهَا جَازَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْهَا لِانْعِقَادِهَا بِالْأَصْلِ فَكَانَ الثَّانِي بَانِيًا وَفِي الْعِنَايَةِ وَاعْتَرَضَ بِمَنْ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ ثُمَّ افْتَتَحَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَهُوَ مُفْتَتِحٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ شُرُوعُهُ فِي الْجُمُعَةِ وَصَارَ خَلِيفَةً لِلْأَوَّلِ الْتَحَقَ بِمَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ وَأَرَى أَنَّ إلْحَاقَهُ بِالْبَانِي لِتَقَدُّمِ شُرُوعِهِ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ الْأُولَى فَتَأَمَّلْ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ أَمْضَاهُ إنْ لَمْ يُخَالِفْ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ وَالْإِجْمَاعَ) لِتَرَجُّحِ الِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَنْقُضُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ أَوْ مُخَالِفًا لِكَوْنِ لَفْظِ الْحُكْمِ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يُوهِمُ أَنَّهُ إنَّمَا يُمْضِيهِ إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ كَمَا زَعَمَ الشَّارِحُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ جَاءَ قَاضٍ آخَرُ يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ أَمْضَاهُ وَفِي الْمِعْرَاجِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ لَفْظَ الْجَامِعِ بِهَذَا اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ قَيَّدَ بِالْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِي إذَا كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِمَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ فَاتَّفَقَ قَضَاؤُهُ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ فَعَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لَا يَجِبُ عَلَى الثَّانِي تَنْفِيذُهُ كَذَا ذَكَرَهُ فِي فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيُّ مُحَالًا إلَى الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ فَقَالَ لَوْ قَضَى فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ قِيلَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَعَامَّتُهُمْ لَا يَنْفُذُ وَإِنَّمَا يَنْفُذُ إذَا عَلِمَ بِكَوْنِهِ مُجْتَهِدًا فِيهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَالثَّانِي أَنَّهُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ قَوْلَهُ أَمْضَاهُ فِيمَا إذَا كَانَ مُوَافِقًا. اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَعْنِي كَوْنَهُ عَالِمًا بِالِاخْتِلَافِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَكِنْ يُفْتَى بِخِلَافِهِ وَالتَّحْقِيقُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ عِلْمَهُ بِكَوْنِ مَا حَكَمَ فِيهِ مُجْتَهِدًا فِيهِ شَرْطٌ، وَأَمَّا عِلْمُهُ بِكَوْنِ الْمَسْأَلَةِ اجْتِهَادِيَّةً فَلَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَشَمِلَ قَوْلُهُ حُكْمُ قَاضٍ مَا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ وَمُخَالِفًا وَمَا إذَا كَانَ الْقَاضِي بَاقِيًا عَلَى قَضَائِهِ أَوْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَفِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قُلْتُ: كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوقِ إنَّمَا يُفِيدُ جَوَازَ الِاسْتِخْلَافِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الْحَدَثِ لِكَوْنِهَا عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ فَلَا يَنْهَضُ حُجَّةً عَلَى مُنْلَا خُسْرو الْقَائِلِ بِعَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْخُطْبَةِ بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.

ذَكَرَهُ الْغَزِّيِّ أَقُولُ: وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي رِسَالَةٍ لَهُ رَدًّا بَلِيغًا فَقَالَ بَقِيَ هُنَا دَقِيقَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ أَمْرَيْنِ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وَالْمَوْقُوفُ عَلَى الْإِذْنِ هُوَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ بِأَنَّ إذْنَ السُّلْطَانِ بِإِقَامَةِ الْخُطْبَةِ شَرْطٌ أَوَّلَ مَرَّةٍ لِلْبَانِي إلَخْ) وَهَكَذَا أَجَابَ بِهِ الْعَلَّامَةُ أَحْمَدُ يُونُسَ الشَّلَبِيُّ حَيْثُ سُئِلَ عَنْ ثَغْرٍ فِيهِ جَوَامِعُ وَلَهَا خُطَبَاءُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ إذْنٌ صَرِيحٌ مِنْ السُّلْطَانِ فَأَجَابَ بِأَنَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى السَّدَادِ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ مَنْ أَنْشَأَ جَامِعًا وَأَرَادَ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ اسْتَأْذَنَ الْإِمَامَ وَإِذَا وُجِدَ الْإِذْنُ أَوَّلَ إقَامَتِهَا حَصَلَ الْغَرَضُ وَالْإِذْنُ بَعْدَهُ وَلَوْ تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ وَتَغَيَّرَتْ الْبِلَادُ لَيْسَ بِمُفْتَرَضٍ اهـ. مُلَخَّصًا.

(قَوْلُهُ وَاعْتُرِضَ بِمَنْ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ إلَخْ) أَيْ بِمَا لَوْ اسْتَخْلَفَ شَخْصًا لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ ثُمَّ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ ثُمَّ افْتَتَحَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ.

(قَوْلُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ) أَيْ لِرَأْيِ الْقَاضِي الْمَرْفُوعِ إلَيْهِ حُكْمُ الْقَاضِي الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ لِكَوْنِ لَفْظِ الْحُكْمِ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الشَّرْطُ يَمِينًا مُثْبَتًا مِثْلَ إنْ كَلَّمْت رَجُلًا فَكَذَا فَإِنَّ الْمَعْنَى لَا أُكَلِّمُ رَجُلًا فَتَكُونُ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ مَعْنًى فَتَعُمُّ بِخِلَافِ قَوْلِك الْيَمِينُ الْمَنْفِيُّ مِثْلُ إنْ لَمْ أُكَلِّمْ رَجُلًا فَلَا تَعُمُّ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى لَأُكَلِّمَن رَجُلًا فَهِيَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ وَبِخِلَافِ الشَّرْطِ الْوَاقِعِ غَيْرَ يَمِينٍ مِثْلِ إنْ جَاءَك رَجُلٌ فَأَكْرِمْهُ فَإِنَّهُ أَيْضًا غَيْرُ نَصٍّ فِي الْعُمُومِ؛ لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ وَمَا فِي الْمَتْنِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَالتَّحْقِيقُ الْمُعْتَمَدُ إنْ عَلِمَهُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ وَهَاهُنَا شَرْطٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي عَالِمًا بِأَنَّ مَا حَكَمَ فِيهِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَلَا يَكْفِي فِيهِ عِلْمُهُ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُجْتَهَدٌ فِيهَا كَمَا إذَا قَضَى بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ غَيْرَ عَالِمٍ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ مَسْأَلَةَ أُمِّ الْوَلَدِ اجْتِهَادِيَّةٌ ذَكَرَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي. اهـ.

(قَوْلُهُ وَشَمِلَ قَوْلُهُ حُكْمُ قَاضٍ مَا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ) أَيْ لِرَأْيِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ الَّذِي رُفِعَ حُكْمُهُ إلَى الْقَاضِي الثَّانِي ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُ مَا قَبْلَهَا فَإِنَّ مَا قَبْلَهَا هُوَ اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ عَالِمًا بِالْخِلَافِ لِيَنْفُذَ حُكْمُهُ وَهَذِهِ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ حَكَمَ عَلَى وَفْقِ مَذْهَبِهِ لَا إذَا كَانَ نَاسِيًا وَحَكَمَ عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015