؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى النِّسْيَانِ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اجْتَهَدَ فَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى مَذْهَبِ خَصْمِهِ فَقَضَى بِهِ فَيَكُونُ قَضَاؤُهُ بِاجْتِهَادِهِ فَيَصِحُّ. اهـ.

بِلَفْظِهِ وَالْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَكَمَ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِهِ فَإِنْ كَانَ مُتَوَهِّمًا أَنَّهُ عَلَى وَفْقِهِ بَاطِلٌ يَجِبُ نَقْضُهُ وَإِنْ وَافَقَ مُجْتَهِدًا فِيهِ وَإِنْ كَانَ مُعْتَمِدًا مَذْهَبَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَضُ وَهَذَا التَّفْصِيلُ مُتَعَيِّنٌ فِي حُكَّامِ زَمَانِنَا فَإِنَّهُمْ لَا يَعْتَمِدُونَ فِي أَحْكَامِهِمْ عَلَى الِاجْتِهَادِ لَا مُطْلَقًا وَلَا مُقَيَّدًا لِكَوْنِهِمْ مُقَلِّدِينَ فَإِذَا جَرَى مِنْهُمْ الْحُكْمُ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِمْ فَهُوَ مَقْطُوعٌ بِكَوْنِهِ مِنْهُ خَطَأً فَيُنْقَضُ وَقَوْلُهُمْ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ مُعَلَّلٌ بِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِمِثْلِهِ لَا مُطْلَقًا فَإِذَا كَانَ الْقَاضِي مُتَوَهِّمًا أَنَّهُ مَذْهَبُهُ فَأَخْطَأَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا فِيهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَمْضَاهُ حَكَمَ بِمُقْتَضَاهُ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْمُرَادُ مِنْ الْحَاكِمِ الْقَاضِي وَالْمُرَادُ مِنْ الْإِمْضَاءِ إلْزَامُ الْحُكْمِ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يُثْبِتُوا حُكْمَ الْخَلِيفَةِ عِنْدَ الْأَصْلِ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَمَا لَوْ أَرَادُوا إثْبَاتَ قَضَاءٍ آخَرَ اهـ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحُكْمَ الْمَرْفُوعَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي حَادِثَةٍ وَخُصُومَةٍ صَحِيحَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعِمَادِيُّ فِي الْفُصُولِ وَالْبَزَّازِيُّ فِي الْفَتَاوَى قَالَا وَهُنَا شَرْطٌ لِنَفَاذِ الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ حَادِثَةً تَجْرِي بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ حَتَّى لَوْ فَاتَ هَذَا الشَّرْطُ لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ فَتْوَى اهـ.

فَلَوْ رُفِعَ إلَى حَنَفِيٍّ قَضَاءُ مَالِكِيٍّ بِلَا دَعْوَى لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ وَيُحْكَمُ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ وَلَا بُدَّ فِي إمْضَاءِ الثَّانِي لِحُكْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الدَّعْوَى أَيْضًا كَمَا سَمِعْت وَلَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُ شُهُودِ الْأَصْلِ بَلْ يَكْفِي عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَاضِي بَلْدَةٍ حَكَمَ عَلَى رَجُلٍ بِمَالٍ وَسَجَّلَ ثُمَّ مَاتَ الْقَاضِي وَأَحْضَرَ الْمُدَّعِي الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ وَبَرْهَنَ عَلَى قَضَاءِ الْأَوَّلِ أَجْبَرَهُ الثَّانِي عَلَى أَدَاءِ الْمَالِ إنْ كَانَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ صَحِيحًا وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ قَاضِيًا مِنْ قُضَاةِ الْبَلَدِ قَضَى بِهَذَا الْمَالِ لَا يُحْكَمُ بِهِ وَفِي كُلِّ فِعْلٍ لَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ وَنَسَبِهِ فَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ إنَّ الْقَاضِيَ الْأَوَّلَ غَيْرُ عَدْلٍ لَا يُمْضِي الْقَاضِي الثَّانِي قَضَاءَهُ اهـ.

وَكَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا ارْتَابَ فِي حُكْمِ الْأَوَّلِ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ شُهُودَ الْأَصْلِ وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ التَّنَافِيذَ الْوَاقِعَةَ فِي زَمَانِنَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِصُدُورِهَا بِلَا دَعْوَى وَحَادِثَةٍ وَإِنَّمَا يُقِيمُ صَاحِبُ الْوَاقِعَةِ بَيِّنَةً يَشْهَدُونَ عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي فُلَانٍ لِيَكْتُبَ لَهُ الْقَاضِي الثَّانِي أَنَّهُ اتَّصَلَ بِهِ حُكْمَ الْأَوَّلِ وَنَفَذَهُ فَإِنْ قُلْتُ: الْقَاضِي إذَا قَضَى بِشَيْءٍ فِي حَادِثَةٍ بَعْدَ دَعْوَى هَلْ يَكُونُ قَضَاءً فِيمَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْقَاضِي.

قُلْتُ: لَا لِمَا فِي قَضَاءِ الْبَزَّازِيَّةِ فِي فَصْلِ فَسْخِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ وَإِنْ زَوَّجَهُ رَجُلٌ امْرَأَةً بِلَا أَمْرِهِ وَأَجَازَ بِالْفِعْلِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ ثُمَّ تَرَافَعَا إلَى الْقَاضِي فَإِنْ أَعْلَمَهُ بِتَقَدُّمِ نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ فَقَضَى بِالنِّكَاحِ صَحَّ وَيَكُونُ قَدْ قَضَى بِبُطْلَانِ الْيَمِينِ وَبِبُطْلَانِ نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ وَبِبُطْلَانِ الثَّلَاثِ بَعْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِتَقَدُّمِ النِّكَاحِ يُعْلِمْهُ حَتَّى يَقْضِيَ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ وَيُقْصَدُ بِالْقَضَاءِ الْيَمِينُ الْمُضَافَةُ وَنِكَاحُ الْفُضُولِيِّ اهـ.

ثُمَّ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ الثَّانِي فِيمَنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ لَا يَرَى الْوُقُوفَ فَرَفَعْته امْرَأَتُهُ إلَى قَاضٍ لَا يَرَى الْوُقُوعَ فَقَضَى بِصِحَّةِ النِّكَاحِ ثُمَّ تَحَوَّلَ رَأْيُ الرَّجُلِ إلَى الْوُقُوعِ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً أُخْرَى بَعْدَهَا فَإِنَّهُ يُمْسِكُ الْأُولَى وَيَعْمَلُ بِرَأْيِهِ الْحَادِثِ فِي الْحَادِثَةِ فَيُفَارِقُهَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا قَضَى بِإِبْطَالِ الطَّلَاقِ فِي الْأُولَى بِالِاجْتِهَادِ فَنَفَذَ قَضَاؤُهُ فَبَعْدَ ذَلِكَ بِتَحَوُّلِ رَأْيِهِ لَا يَمْلِكُ نَقْضَ رَأْيِهِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْحَادِثَةُ فَيَثْبُتُ عَلَيْهَا الْحِلُّ الْآنَ وَلَمْ يَجْرِ عَلَيْهَا حُكْمُ الْقَاضِي فَيَعْمَلُ بِرَأْيِهِ وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بَعْدَ فَسْخٍ وَيَدَّعِي عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهَا زَوْجَتُهُ بِحُكْمِ الْفَسْخِ عَلَى امْرَأَةٍ أُخْرَى وَتَزْعُمُ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا عَلَيْهِ حَرَامٌ أَخْذًا بِمَذْهَبِ الثَّانِي فَيَتَرَافَعَانِ إلَى الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ فَيُحْكَمُ الْقَاضِي الْحَنَفِيُّ بِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ بِمَذْهَبِ مُحَمَّدٍ اهـ.

فَقَدْ عَلِمْت مِنْ ذَلِكَ كَثِيرًا مِنْ الْمَسَائِلِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُمْ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَجِبُ أَنْ يُقَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يُقَيِّدْهُ السُّلْطَانُ بِمَذْهَبٍ أَمَّا إذَا قَيَّدَهُ بِمَذْهَبٍ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ أَوْ كَتَبَ فِي مَنْشُورِهِ وَلَّيْتُك لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا صَحَّ أَوْ بِالصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ مَثَلًا فَلَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بِغَيْرِهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْقَضَاءَ يَتَخَصَّصُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْأَشْخَاصِ وَالْحَوَادِثِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَكَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّ الْقَاضِيَ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُؤَلِّفِ ثُمَّ قَالَ وَلَمْ أَجِدْهُ لِغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ التَّنَافِيذَ الْوَاقِعَةَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي أَيْضًا فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَأَمْضَى الْقَاضِي حُكْمَهُ. اهـ.

قُلْتُ: وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي الْبَحْثِ السَّادِسِ أَوَّلَ كِتَابِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ فَقَضَى بِالنِّكَاحِ) أَيْ الثَّانِي (قَوْلُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بَعْدَ فَسْخٍ) أَيْ بَعْدَ فَسْخِ الْيَمِينِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَإِذَا قَضَى شَافِعِيٌّ إلَخْ) قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ وَفِي الْقَاسِمِيَّةِ أَمَّا كَوْنُ الْحُكْمِ حَادِثَةً فَاحْتِرَازٌ عَمَّا لَمْ يَحْدُثْ بَعْدُ كَمَا لَوْ حَكَمَ بِمُوجِبِ إجَارَةٍ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِالْفَسْخِ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَآجِرَيْنِ وَكَمَا لَوْ حَكَمَ بِمُوجِبِ بَيْعِ عَقَارٍ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِاسْتِحْقَاقِ شُفْعَةِ الْجِوَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ خُصُومَةٌ.

وَأَمَّا الْخُصُومَةُ الصَّحِيحَةُ فَهِيَ الدَّعْوَى الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى شَرَائِطِ الصِّحَّةِ اهـ.

وَذَكَرَ فِيهَا أَيْضًا أَنَّ اشْتِرَاطَ تَقَدُّمِ الدَّعْوَى وَالْحَادِثَةِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَقَالَ الشَّيْخُ مُحِبُّ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيُّ قَاضِي قُضَاةِ الْحَنَابِلَةِ فِي رِسَالَةٍ لَهُ، وَأَمَّا الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ بِفَتْحِ الْجِيمِ فَمَعْنَاهُ الْحُكْمُ بِمُوجَبِ الدَّعْوَى الثَّابِتَةِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ غَيْرِهَا هَذَا هُوَ مَعْنَى الْمُوجَبِ وَلَا مَعْنَى لَهُ غَيْرُهُ فَيُنْظَرُ فِي الدَّعْوَى فَإِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015