قَاضٍ آخَرَ عِنْدَ هَذَا الْقَاضِي وَفِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ النَّائِبُ يَقْضِي بِمَا شَهِدُوا عِنْدَ الْأَصْلِ وَكَذَا الْأَصْلُ يَقْضِي بِمَا شَهِدُوا عِنْدَ النَّائِبِ اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ جَرَى الْخُلْعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي مَرَّتَيْنِ فَقَالَ نَائِبُهُ كَانَ قَدْ جَرَى عِنْدِي مَرَّةً أُخْرَى وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ فَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِالْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ بِكَلَامِ النَّائِبِ أَمَّا النَّائِبُ يَقْضِي بِكَلَامِ الْقَاضِي إذَا أَخْبَرَهُ اهـ.
ثُمَّ قَالَ فِي نَوْعٍ فِي الْإِمْضَاءِ وَالنَّائِبُ يَقْضِي بِمَا شَهِدُوا عِنْدَ الْأَصْلِ وَكَذَا الْقَاضِي يَقْضِي بِمَا شَهِدُوا عِنْدَ النَّائِبِ أَمَرَ الْقَاضِي الْخَلِيفَةَ أَنْ يَسْمَعَ الْقَضِيَّةَ وَالشَّهَادَةَ وَيَكْتُبَ الْإِقْرَارَ وَلَا يَقْطَعَ الْحُكْمَ يَفْعَلُ مَا أَمَرَهُ الْقَاضِي وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِإِخْبَارِ خَلِيفَتِهِ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَاضٍ وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ بِإِقْرَارِ رَجُلٍ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ هُوَ مَعَ آخَرَ وَقَدْ تَنَاطَقَتْ أَجْوِبَةُ أَئِمَّتِنَا بِخُوَارِزْمَ أَنَّ شَهَادَةَ مُسَخَّرَةِ الْقَاضِي وَشَهَادَةَ الْوُكَلَاءِ الْمُفْتَعِلَةِ بِبَابِهِ لَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ نُوَّابِهِمْ إلَّا أَهْلِ الْعَدْلِ وَقَدْ رَأَيْت بِنَوَاحِي خُوَارِزْمَ وَبِهَا جَمَاعَةٌ مِمَّنْ فُوِّضَ إلَيْهِمْ الْقَضَاءُ وَكَذَا بِبَعْضِ نَوَاحِي دشت. لَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِمْ فَكَيْفَ قَضَاؤُهُمْ وَسُئِلْت عَنْ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ تُقْبَلُ فَقُلْتُ: نَعَمْ تُقْبَلُ مَعَ عَدْلَيْنِ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ تَهَاوُنِ أَمَرَ الدشت بِالشَّرْعِ وَقَدْ رَأَيْت مِنْ الْعَجَائِبِ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ أُمَرَائِهِ الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَمْضِ مِثْلُهُ دِينًا قَلَّدَ قَضَاءَ مَدِينَةٍ إلَى شَابٍّ جَاهِلٍ لَا يَعْرِفُ قُرْآنًا وَلَا خَطًّا حَتَّى يَقْضِيَ بِأَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ فَقُلْتُ: لَهُ فِيهِ فَقَالَ أَنَا أَعْلَمُ بِالْمَصْلَحَةِ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ. اهـ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا وَلَّى الْخَلِيفَةَ الْقَضَاءَ عُمِلَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ وَلَّاهُ سَمَاعَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ فَقَطْ لَا يُعْمَلُ بِقَوْلِهِ فَلَا تَنَاقُضَ كَمَا لَا يَخْفَى وَفَائِدَةُ هَذَا الِاسْتِخْلَافِ أَنْ يَنْظُرَ الْخَلِيفَةُ هَلْ لِلْمُدَّعِي شُهُودٌ أَوْ يَكْذِبُ فَلَعَلَّ لَهُ شُهُودًا إلَّا أَنَّهُمْ غَيْرُ عُدُولٍ وَقَدْ لَا تَتَّفِقُ أَلْفَاظُهُمْ فَيُفَوِّضُ الْقَاضِي النَّظَرَ إلَى الْخَلِيفَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَدْ سُئِلْت عَنْ صِحَّةِ تَوْلِيَةِ الْقَاضِي ابْنَهُ قَاضِيًا حَيْثُ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ بِالِاسْتِخْلَافِ فَأَجَبْت بِنَعَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَطْلَقَ فِي الِاسْتِخْلَافِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مَذْهَبُ الْخَلِيفَةِ مُوَافِقًا لِمَذْهَبِ الْقَاضِي أَوْ مُخَالِفًا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ فَوَّضَ إلَى غَيْرِهِ لِيَقْضِيَ عَلَى وَفْقِ مَذْهَبِهِ نَفَذَا إجْمَاعًا. اهـ.
وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ بِالِاسْتِخْلَافِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً يَمْلِكُهُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى مَحَلِّ قَضَائِهِ كَمَا يَمْلِكُهُ بِعَهْدِهِ وَقَدْ جَرَتْ عَادَتُهُمْ إذَا وَلَّوْا بِبَلَدِ السُّلْطَانَ قَضَاءَ بَلْدَةٍ بَعِيدَةٍ بِإِرْسَالِ خَلِيفَةٍ يَقُومُ مَقَامَهُمْ إلَى حُضُورِهِمْ وَقَدْ سُئِلْت عَنْهَا فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ فَأَجَبْت بِذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ثُمَّ رَأَيْت الْأَجَلَّ الصَّدْرَ الشَّهِيدَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ قَالَ فِي الْبَابِ السَّادِسَ عَشَرَ الْقَاضِي إنَّمَا يَصِيرُ قَاضِيًا إذَا بَلَغَ الْمَوْضِعَ الَّذِي قُلِّدَ فِيهِ الْقَضَاءَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَنْعَزِلُ مَا لَمْ يَبْلُغْ هُوَ الْبَلَدَ الَّذِي قُلِّدَ فِيهِ الْقَضَاءَ فَكَانَ هُوَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ بِمَنْزِلَةِ وَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا. اهـ.
وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِخْلَافَ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى مَحَلِّ عَمَلِهِ لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْبَابِ السَّادِسِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُقَدِّمَ نَائِبَهُ قَبْلِ وُصُولِهِ حَتَّى يَتَعَرَّفَ عَلَى أَحْوَالِ النَّاسِ اهـ.
إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ قَاضِيَ الْقُضَاةِ مَأْذُونٌ بِالِاسْتِخْلَافِ قَبْلَ الْوُصُولِ مِنْ السُّلْطَانِ فَلَا كَلَامَ وَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ الْآنَ وَقَيَّدَ بِاسْتِخْلَافِهِ قَاضِيًا؛ لِأَنَّ لَهُ التَّوْكِيلَ وَالْإِيصَاءَ بِلَا إذْنِ السُّلْطَانِ وَأَوْرَدَ هَذَا إشْكَالًا عَلَى مَنْعِهِ مِنْ تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ فَإِنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ يَجْرِي فِيهَا وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْمُقَلَّدَ يَفْعَلُ مَا لَا يَفْعَلُهُ الْوَكِيلُ وَالْوَصِيُّ فَيَكُونُ تَوَقُّعُ الْفَسَادِ فِي الْقَضَاءِ أَكْثَرَ. اهـ.
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ فِي الْجُمُعَةِ) يَعْنِي فَإِنَّ لَهُ الِاسْتِخْلَافَ وَإِنْ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ لَمَّا فَوَّضَهَا إلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ الْعَوَارِضَ الْمَانِعَةَ مِنْ إقَامَتِهَا مِنْ الْمَرَضِ وَالْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ وَغَيْرِهِمَا تَعْتَرِيهِ وَلَا يُمْكِنُ انْتِظَارُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ التَّأْخِيرَ عَنْ الْوَقْتِ فَكَانَ إذْنًا لَهُ بِالِاسْتِخْلَافِ دَلَالَةً وَتَأْخِيرُ سَمَاعِ الْخُصُومَةِ إلَى وُجُودِ الْإِذْنِ مِنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بِوَقْتٍ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِسَبْقِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا إذَا مَرِضَ الْخَطِيبُ أَوْ سَافَرَ أَوْ حَصَلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ أَمَرَ الْقَاضِي الْخَلِيفَةَ) أَيْ خَلِيفَةَ الْقَاضِي (قَوْلُهُ اهـ) أَيْ: كَلَامُ الْبَزَّازِيَّةِ.
(قَوْلُهُ لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْبَابِ السَّادِسِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَمُقْتَضَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يَسْتَخْلِفُ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَسْتَخْلِفُ فَيُحْمَلُ عَلَى إرْسَالِ النَّائِبِ بِإِذْنِ الْخَلِيفَةِ أَوْ أَنَّ ذَلِكَ مَعْرُوفٌ بَيْنَهُمْ اهـ.
وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ وَأَقُولُ: جَوَازُ إرْسَالِهِ لِتَعَرُّفِ أَحْوَالِ النَّاسِ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ حُكْمِهِ قَبْلَ وُصُولِ الْمُرْسَلِ ثُمَّ رَأَيْت بِخَطِّ السَّيِّدِ الْحَمَوِيِّ عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ مَا نَصُّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مَحْضَ الْإِرْسَالِ إنَّمَا الْمُرَادُ الْإِرْسَالُ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ إلَخْ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ جَوَازِ اسْتِخْلَافِهِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى مَحَلِّ قَضَائِهِ اهـ.
مَا فِي الْحَاشِيَةِ وَأَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي صِحَّةِ الِاسْتِخْلَافِ وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ نَائِبُهُ يُفِيدُ ذَلِكَ، وَأَمَّا أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ أَوَّلًا فَبَحْثٌ آخَرُ لَا ذِكْرَ لَهُ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْبَحْرِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ انْضَمَّ إلَيْهِ أَنَّهُ الْوَاقِعُ الْآنَ وَقَدْ ذَكَرَ أَوَائِلَ كِتَابِ الْقَضَاءِ وَإِذَا عَزَلَهُ السُّلْطَانُ لَا يَنْعَزِلُ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الْخَبَرُ كَالْوَكِيلِ وَعَنْ الثَّانِي مَا لَمْ يَأْتِ قَاضٍ آخَرُ
صِيَانَةً
لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ تَعْطِيلِ قَضَايَاهُمْ اهـ.
فَمَا مَشَى عَلَيْهِ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَوَّلًا مَبْنِيٌّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَحَيْثُ كَانَتْ الْعِلَّةُ مَا ذَكَرَ فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُقَالَ وُصُولُ نَائِبِهِ كَوُصُولِهِ فَيُفِيدُ أَنَّ لِنَائِبِهِ الْحُكْمَ تَأَمَّلْ