الْقَبْضَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَحُقُوقُهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِمَا وَلَا اعْتِبَارَ بِالْمَجْلِسِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ مَا إذَا قَالَ الْأَبُ اشْهَدُوا أَنِّي اشْتَرَيْت هَذَا الدِّينَارَ مِنْ ابْنِي الصَّغِيرِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ قَامَ قَبْلَ أَنْ يَزِنَ الْعَشَرَةَ فَهُوَ بَاطِلٌ، كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْأَبَ هُوَ الْعَاقِدُ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ فَيُعْتَبَرُ الْمَجْلِسُ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ فِي الصَّرْفِ فَتَصَارَفَا ثُمَّ ذَهَبَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَبَضَ الْآخَرُ بَطَلَ فِي حِصَّةِ الذَّاهِبِ فَقَطْ كَالْمَالِكَيْنِ إذَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَقْبِضْ الْآخَرُ بِخِلَافِ الْوَكِيلَيْنِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَتَفَرَّعَ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِبْرَاءُ عَنْ بَدَلِ الصَّرْفِ وَلَا هِبَتُهُ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَصِحَّ بِدُونِ قَبُولِ الْآخَرِ فَإِنْ قَبِلَ انْتَقَضَ الصَّرْفُ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يُنْتَقَضْ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْفَسْخِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا فَلَوْ أَبَى الْوَاهِبُ أَنْ يَأْخُذَ مَا وُهِبَ أُجْبِرَ عَلَى الْقَبْضِ وَتَفَرَّعَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَسَيَأْتِي، وَعَلَى هَذَا تَتَخَرَّجُ الْمُقَاصَّةُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ إذَا وَجَبَ الدَّيْنُ بِعَقْدٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْ عَقْدِ الصَّرْفِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ قِصَاصًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَإِنْ تَرَاضَيَا بِذَلِكَ، وَقَدْ مَرَّ فِي السَّلَمِ وَلَوْ قَبَضَ بَدَلَ الصَّرْفِ ثُمَّ انْتَقَضَ الْقَبْضُ فِيهِ لِمَعْنًى أَوْجَبَ انْتِقَاضُهُ أَنْ يَبْطُلَ الصَّرْفُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي السَّلَمِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ إنْ اُسْتُحِقَّ أَحَدُ بَدَلَيْ الصَّرْفِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَإِنْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ وَالْبَدَلُ قَائِمٌ أَوْ ضَمِنَ النَّاقِدُ وَهُوَ هَالِكٌ جَازَ الصَّرْفُ وَإِنْ اسْتَرَدَّهُ وَهُوَ قَائِمٌ أَوْ ضَمِنَ الْقَابِضُ قِيمَتَهُ وَهُوَ هَالِكٌ بَطَلَ الصَّرْفُ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ قَيَّدْنَا التَّمَاثُلَ مِنْ حَيْثُ الْوَزْنِ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ عَدَدًا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا جَوْدَةً وَصِيَاغَةً) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ» إلَى أَنْ قَالَ «مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالْمَصُوغِ وَالتِّبْرِ أَوْ لَا يَتَعَيَّنَانِ كَالْمَضْرُوبِ أَوْ يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَفِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْبُيُوعِ مِنْ الْفَصْلِ السَّادِسِ، وَإِذَا بَاعَ دِرْهَمًا كَبِيرًا بِدِرْهَمٍ صَغِيرٍ أَوْ دِرْهَمًا جَيِّدًا بِدِرْهَمٍ رَدِيءٍ يَجُوزُ لِأَنَّ لَهُمَا فِيهِ غَرَضًا صَحِيحًا، فَأَمَّا إذَا كَانَا مُسْتَوِيَيْنِ فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فَبَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ هَلْ يَجُوزُ وَهَلْ يَصِيرُ مِثْلُهُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ اخْتَلَفُوا بَعْضُهُمْ قَالُوا لَا يَجُوزُ وَأَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي أَبُو حَاتِمٍ الْإِمَامُ أَبُو أَحْمَدَ. اهـ.
قَيَّدَ إسْقَاطَ الصِّفَةِ بِالْأَثْمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ إنَاءً نُحَاسًا بِإِنَاءٍ نُحَاسٍ أَحَدُهُمَا أَثْقَلُ مِنْ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَزْنًا مَعَ أَنَّ النُّحَاسَ وَغَيْرَهُ مِمَّا يُوزَنُ مِنْ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ أَيْضًا وَذَلِكَ لِأَنَّ صِفَة الْوَزْنِ فِي النَّقْدَيْنِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فَلَا يَتَغَيَّرُ بِالصَّنْعَةِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَوْزُونًا بِتَعَارُفِ جَعْلِهِ عَدَدِيًّا لَوْ تُعُورِفَ ذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا فَإِنَّ الْوَزْنَ فِيهِ بِالتَّعَارُفِ فَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَوْزُونًا بِتَعَارُفِ عَدَدِيَّتِهِ إذَا صِيَغَ وَصُنِعَ وَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الذَّخِيرَةِ حَتَّى قَالُوا لَوْ اعْتَادُوا بَيْعَ الْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالْوَزْنِ لَا بِالْعَدَدِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ الْمَصْنُوعِ مِنْ جِنْسِهِ إلَّا مُتَسَاوِيًا وَزْنًا، وَإِذَا تَعَامَلُوا بَيْعَهَا عَدًّا لَا وَزْنًا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَاحِدِ بِالِاثْنَيْنِ اهـ.
وَفِي الْقَامُوسِ الْجَيِّدِ كَكَيِّسٍ ضِدِّ الرَّدِيءِ وَالْجَمْعُ جِيَادٌ وَجِيَادَاتٌ وَجَيَايِدُ وَجَادَ يَجُودُ جَوْدَةً صَارَ جَيِّدًا اهـ.
وَفِيهِ وَالصِّيَاغَةُ بِالْكَسْرِ حِرْفَةُ الصَّائِغِ اهـ. قَوْلُهُ (وَإِلَّا شُرِطَ التَّقَابُضُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَجَانَسَا يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ دُونَ التَّمَاثُلِ لِمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمِعْرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى فَوَائِدِ الْقُدُورِيِّ الْمُرَادُ بِالْقَبْضِ هُنَا الْقَبْضُ بِالْبَرَاجِمِ لَا بِالتَّخْلِيَةِ يُرِيدُ بِالْيَدِ. اهـ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْقَبْضِ فَقِيلَ شَرْطُ انْعِقَادِهِ صَحِيحًا فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنْ الْقِرَانِ أَوْ التَّقَدُّمِ وَالْقَبْضُ مُتَأَخِّرٌ فَكَانَ حُكْمًا لَهُ لَا شَرْطًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوُجُودَ فِي الْمَجْلِسِ جُعِلَ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ حُكْمًا وَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ شَرْطُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَزْنًا) عِبَارَةُ الْفَتْحِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَإِنْ تَفَاضَلَا وَزْنًا مَعَ أَنَّ النُّحَاسَ إلَخْ فَالصَّوَابُ إسْقَاطُ قَوْلِهِ وَزْنًا وَالِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ.