الْحَدِيثِ أَنْ يُزَادَ فِيهِ وَيَحْسُنَ مِنْ الصَّرْفِ فِي الدَّرَاهِمِ وَهُوَ فَضْلُ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِيمَةِ وَكَذَلِكَ صَرْفُ الْكَلَامِ، وَأَمَّا الصَّرْفُ فِي الْحَدِيثِ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» فَالصَّرْفُ التَّوْبَةُ وَالْعَدْلُ الْفِدْيَةُ أَوْ هُوَ النَّافِلَةُ وَالْعَدْلُ الْفَرِيضَةُ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ هُوَ الْوَزْنُ وَالْعَدْلُ الْكَيْلُ أَوْ هُوَ الِاكْتِسَابُ وَالْعَدْلُ الْفِدْيَةُ أَوْ الْحِيَلُ. اهـ.
وَفِي الصِّحَاحِ يُقَالُ صَرَفْت الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ وَبَيْنَ الدِّرْهَمَيْنِ صَرْفٌ أَيْ فَضْلٌ لِجَوْدَةِ فِضَّةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. اهـ.
وَالثَّانِي: فِي مَعْنَاهُ فِي الشَّرِيعَةِ وَقَدْ أَفَادَ بِقَوْلِهِ (هُوَ بَيْعُ بَعْضِ الْأَثْمَانِ بِبَعْضٍ) كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إذَا بِيعَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ أَيْ بِيعَ مَا مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَإِنَّمَا فَسَّرْنَاهُ بِهِ وَلَمْ نُبْقِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ لِيَدْخُلَ فِيهِ بَيْعُ الْمَصُوغِ بِالْمَصُوغِ أَوْ بِالنَّقْدِ فَإِنَّ الْمَصُوغَ بِسَبَبِ مَا اتَّصَلَ بِهِ مِنْ الصَّنْعَةِ لَمْ يَبْقَ ثَمَنًا صَرِيحًا وَلِهَذَا يَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ وَمَعَ ذَلِكَ بَيْعُهُ صَرْفٌ الثَّالِثُ فِي رُكْنِهِ فَمَا هُوَ رُكْنُ كُلِّ بَيْعٍ فَهُوَ رُكْنُهُ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ أَوْ التَّعَاطِي وَالرَّابِعُ فِي شَرَائِطِهِ فَأَرْبَعَةٌ، الْأَوَّلُ قَبْضُ الْبَدَلَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِالْأَبْدَانِ، الثَّانِي أَنْ يَكُونَ بَاتًّا لَا خِيَارَ فِيهِ فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ خِيَارٌ وَأَبْطَلَهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ صَحَّ وَبَعْدَهُ لَا، وَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فَثَابِتٌ فِيهِ، وَأَمَّا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَثَابِتٌ فِي الْعَيْنِ دُونَ الدَّيْنِ، وَإِذَا رَدَّهُ بِعَيْبٍ انْفَسَخَ الْعَقْدُ سَوَاءٌ رَدَّهُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَرَدَّهَا فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَنْفَسِخْ، فَإِذَا رَدَّ بَدَلَهُ بَقِيَ الصَّرْفُ وَإِنْ رَدَّ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ بَطَلَ وَتَمَامُهُ فِي الْبَدَائِعِ، الثَّالِثُ أَنْ لَا يَكُونَ بَدَلُ الصَّرْفِ مُؤَجَّلًا فَإِنْ أَبْطَلَ صَاحِبُ الْأَجَلِ الْأَجَلَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَنَقَدَ مَا عَلَيْهِ ثُمَّ افْتَرَقَا عَنْ قَبْضٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ انْقَلَبَ جَائِزًا وَبَعْدَ التَّفَرُّقِ لَا، الرَّابِعُ التَّسَاوِي فِي الْوَزْنِ إنْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَإِنْ تَبَايَعَا ذَهَبًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةً بِفِضَّةٍ مُجَازَفَةً لَمْ يَجُزْ فَإِنْ عَلِمَا التَّسَاوِيَ فِي الْمَجْلِسِ وَتَفَرَّقَا عَنْ قَبْضٍ صَحَّ، وَكَذَا لَوْ اقْتَسَمَا الْجِنْسَ مُجَازَفَةً لَمْ يَجُزْ إلَّا إذَا عُلِمَ التَّسَاوِي فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ كَالْبَيْعِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ تَجَانَسَا شُرِطَ التَّمَاثُلِ وَالتَّقَابُضِ) أَيْ النَّقْدَانِ بِأَنْ بِيعَ أَحَدُهُمَا بِجِنْسِ الْآخَرِ فَلَا بُدَّ لِصِحَّتِهِ مِنْ التَّسَاوِي وَزْنًا وَمَنْ قَبَضَ الْبَدَلَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، أَمَّا التَّسَاوِي فَقَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الرِّبَا وَلَوْ تَصَارَفَا جِنْسًا بِجِنْسٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَتَقَابَضَا وَتَفَرَّقَا ثُمَّ زَادَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ شَيْئًا أَوْ حَطَّ عَنْهُ شَيْئًا وَقَبِلَهُ الْآخَرُ فَسَدَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُمَا بَاطِلَانِ وَالصَّرْفُ صَحِيحٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ وَالْحَطُّ جَائِزٌ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ الْمُسْتَقِلَّةِ، وَاخْتِلَافُهُمْ هَذَا فَرْعُ اخْتِلَافِهِمْ فِي أَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ الْمُتَأَخِّرَ عَنْ الْعَقْدِ فِي الذِّكْرِ إذَا أُلْحِقَ بِهِ هَلْ يُلْتَحَقُ أَمْ لَا فَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْتِحَاقُهُ وَيَفْسُدُ الْعَقْدُ، وَمِنْ أَصْلِهِمَا عَدَمُ الْتِحَاقِهِ فَطَرَدَهُ أَبُو يُوسُفَ هُنَا وَمُحَمَّدٌ فَرَّقَ بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ وَلَوْ زَادَ أَوْ حَطَّ فِي صَرْفٍ بِخِلَافِ الْجِنْسِ جَازَ إجْمَاعًا لَكِنْ يُشْتَرَطُ قَبْضُ الزِّيَادَةِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لِالْتِحَاقِهَا بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَلَوْ حَطَّ مُشْتَرِي الدِّينَارِ قِيرَاطًا مِنْهُ فَبَائِعُ الدِّينَارِ يَكُونُ شَرِيكًا لَهُ فِي الدِّينَارِ وَلَوْ زَادَ مُشْتَرِي السَّيْفِ الْمُحَلَّى دِينَارًا جَازَ وَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لِصَرْفِ الزِّيَادَةِ إلَى النَّصْلِ وَالْحَمَائِلِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا التَّقَابُضُ فَالْمُرَادُ التَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِأَبْدَانِهِمَا بِأَنْ يَأْخُذَ هَذَا فِي جِهَةٍ وَهَذَا فِي جِهَةٍ فَإِنْ مَشَيَا مِيلًا أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يُفَارِقْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَلَيْسَا بِمُتَفَرِّقَيْنِ وَلَا يَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَتَفَرَّعَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْ رَجُلَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ دَيْنٌ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا فَقَالَ بِعْتُك الدَّنَانِيرَ الَّتِي لِي عَلَيْك بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي لَك عَلَيَّ، وَقَالَ قَبِلْت فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالرَّسُولِ بَلْ بِالْمُرْسِلِ وَهُمَا مُتَفَرِّقَانِ بِأَبْدَانِهِمَا، وَكَذَا لَوْ نَادَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ مِنْ وَرَاءَ جِدَارٍ أَوْ نَادَاهُ مِنْ بَعِيدٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُمَا مُفْتَرِقَانِ بِأَبْدَانِهِمَا وَالْمُعْتَبَرُ افْتِرَاقُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ سَوَاءٌ كَانَا مَالِكَيْنِ أَوْ نَائِبَيْنِ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ لِأَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: فَإِنْ عُلِمَ التَّسَاوِي إلَخْ) وَفِي الْكِفَايَةِ الْعِلْمُ بِتَسَاوِيهِمَا حَالَةَ الْعَقْدِ شَرْطُ صِحَّتِهِ حَتَّى لَوْ تَبَايَعَا ذَهَبًا بِذَهَبٍ مُجَازَفَةً وَافْتَرَقَا بَعْدَ التَّقَابُضِ ثُمَّ عَلِمَا بِالْوَزْنِ أَنَّهُمَا كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَابْنِ مَالِكٍ عَلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ