بَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ لَا شَرْطُ انْعِقَادِهِ وَقَدْ أَشَارَ مُحَمَّدٌ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَيَدُلُّ عَلَى الثَّانِي قَوْلُهُ فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ فَلَوْلَا أَنَّهُ مُنْعَقِدٌ مَا بَطَلَ بِالِافْتِرَاقِ، كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الْفَسَادُ فِيمَا هُوَ صَرْفٌ فَهَلْ يَفْسُدُ فِيمَا لَيْسَ بِصَرْفٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَعَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ يَتَعَدَّى الْفَسَادُ وَعَلَى الْأَصَحِّ لَا يَتَعَدَّى، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ فِضَّةً بِفُلُوسٍ أَوْ ذَهَبٍ بِفُلُوسٍ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ قَبْضُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لَا قَبَضَهُمَا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَقَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي بَابِ الرِّبَا وَصَحَّ بَيْعُ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا غَصَبَ قَلْبَ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مَصُوغًا مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ الْقِيمَةِ جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ وَعِنْدَنَا هُوَ صَرْفٌ حُكْمًا لِلضَّمَانِ الْوَاجِبِ بِالْغَصْبِ لَا مَقْصُودًا فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْقَبْضُ سَوَاءٌ كَانَ وُجُوبُ الْقِيمَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِالصُّلْحِ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمُودِعُ الْوَدِيعَةَ الدَّرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ وَقُبِضَ الدَّنَانِيرُ وَافْتَرَقَا قَبْلَ أَنْ يُجَدِّدَ الْمُودِعُ قَبْضًا فِي الْوَدِيعَةِ بَطَلَ الصَّرْفُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مَغْصُوبَةً لِأَنَّ قَبْضَ الْغَصْبِ يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ اهـ.
قَوْلُهُ (فَلَوْ بَاعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً صَحَّ إنْ تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ) لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ الْقَبْضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ دُونَ التَّسْوِيَةِ لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَضُرُّهُ الْجُزَافُ وَلَوْ افْتَرَقَا قَبْلَ قَبْضِهِمَا أَوْ قَبْضِ أَحَدِهِمَا بَطَلَ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ قَيَّدَ بِبَيْعِ الْجِنْسِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْجِنْسَ بِالْجِنْسِ مُجَازَفَةً فَإِنْ عَلِمَا تَسَاوِيهِمَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ وَبَعْدَهُ لَا.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَلَوْ بَاعَ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الثَّوْبِ) أَيْ فِي أَحَدِ بَدَلَيْ الصَّرْفِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ثَمَنٌ فَلَا تَجُوزُ هِبَتُهُ وَلَا صَدَقَتُهُ وَلَا بِبَيْعِ شَيْءٍ بِهِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ إنْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ أَبْرَأَهُ فَإِنْ قَبِلَ الْآخَرُ انْفَسَخَ الصَّرْفُ لِتَعَذُّرِ وُجُودِ الْقَبْضِ وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَصُورَتُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَاعَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى اشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا أَوْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَالْبَيْعُ فِي الثَّوْبِ فَاسِدٌ لِأَنَّ قَبْضَ الْعَشَرَةِ مُسْتَحَقٌّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ الثَّوْبِ وَالصَّرْفُ عَلَى حَالِهِ يَقْبِضُ بَدَلَهُ مِنْ عَاقِدِهِ مَعَهُ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ فَسَادَ الصَّرْفِ حِينَئِذٍ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَصِحَّةُ بَيْعِ الثَّوْبِ حَقُّ الْعَبْدِ فَتَعَارَضَا فَيُقَدَّمُ حَقُّ الْعَبْدِ لِتَفَضُّلِ اللَّهِ بِذَلِكَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقَّيْنِ وَلَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الْعَبْدِ بَعْدُ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ حَقَّ اللَّهِ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ فَيَمْتَنِعُ لَا أَنَّهُ يَرْتَفِعُ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ زُفَرَ صِحَّةُ بَيْعِ الثَّوْبِ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي بَيْعِهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ كَوْنُهُ بَدَلَ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَعَيَّنُ فَإِضَافَةُ الْعَقْدِ إلَى بَدَلِ الصَّرْفِ كَعَدَمِ إضَافَتِهِ فَيَجُوزُ شِرَاءُ ثَوْبٍ بِدَرَاهِمَ لَمْ يَصِفْهَا وَجَوَابُهُ أَنَّ قَبْضَ بَدَلِ الصَّرْفِ وَاجِبٌ وَالِاسْتِبْدَالُ يُفَوِّتُهُ فَكَانَ شَرْطُ إيفَاءِ ثَمَنِ الثَّوْبِ مِنْ بَدَلِ الصَّرْفِ شَرْطًا فَاسِدًا فَيَمْتَنِعُ الْجَوَازُ، وَقَدْ رَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ قَرَّرُوا هُنَا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ الْبَدَلَيْنِ فِي بَابِ الصَّرْفِ كُلٌّ مِنْهُمَا ثَمَنٌ قَبْلَ الْعَقْدِ وَحَالَتُهُ فَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهَا فِي مِلْكِ الْمُتَصَارِفَيْنِ وَلَا يَتَعَيَّنَانِ بِالْإِشَارَةِ وَمُثْمَنٌ مِنْ وَجْهٍ بَعْدَ الْعَقْدِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعَقْدَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُثْمَنٍ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِأَحَدِهِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لِكَوْنِهِ بَيْعَ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ إلَى آخِرِهِ وَبِهِ انْدَفَعَ تَرْجِيحُ ابْنِ الْهُمَامِ قَوْلَ زُفَرَ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَالدَّرَاهِمُ بِيضٌ فَأَعْطَاهُ مَكَانَهَا سُودًا أَوْ رَضِيَ بِهَا الْبَائِعُ جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِاسْتِبْدَالٍ وَالسُّودُ وَالْبِيضُ مِنْ الدَّرَاهِمِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا أَبْرَأَهُ عَنْ صِفَةِ الْجَوْدَةِ حِينَ تَجُوزُ بِالسُّودِ فَكَانَ مُسْتَوْفِيًا بِهَذِهِ الطَّرِيقِ لَا مُسْتَبْدِلًا، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَمُرَادُهُ مِنْ السُّودِ الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ مِنْ النُّقُودِ السُّودِ لَا الدَّرَاهِمُ الْبُخَارِيَّةُ لِأَنَّ أَخْذَ الْبُخَارِيَّةِ مَكَانَ الدَّرَاهِمِ الْبِيضِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ اسْتِبْدَالًا لِاخْتِلَافِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ]
(قَوْلُهُ: وَقَدْ نُقِلَ عَنْ زُفَرَ إلَخْ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ أَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبِيَاعَاتِ، فَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْهُ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَصِحَّ بَيْعُ الثَّوْبِ كَقَوْلِنَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَبِهِ انْدَفَعَ تَرْجِيحُ ابْنِ الْهُمَامِ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْمُحَقِّقَ قَدْ أَجَابَ عَنْ هَذَا وَكَأَنَّ الْمُؤَلِّفَ لَمْ يُكْمِلْ النَّظَرَ عِبَارَتُهُ ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ النَّهْرِ لَخَّصَ جَوَابَ الْمُحَقِّقِ وَاعْتَرَضَ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ حَيْثُ قَالَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ زُفَرَ إنَّمَا قَالَ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَعَيُّنِ بَدَلِ الصَّرْفِ ثَمَنًا فَجَازَ أَنْ يُعْطَى مِنْ غَيْرِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَقُولُ بِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِذَا قَالَ بِصِحَّةِ هَذَا الْبَيْعِ لِمَا قُلْنَاهُ كَانَ بِالضَّرُورَةِ قَائِلًا بِأَنَّ الْبَيْعَ انْعَقَدَ مُوجِبًا دَفْعَ مِثْلِهِ وَتَكُونُ تَسْمِيَتُهُ بَدَلَ الصَّرْفِ تَقْدِيرًا لِلثَّمَنِ سَوَاءٌ سَمَّيْته بَيْعًا أَوْ ثَمَنًا