لَوْ كَانَ مُعَلَّقًا بِأَنْ قَالَ إنْ قَدِمَ غَائِبِي أَوْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فُلَانًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرًا فَعَجَّلَ شَهْرًا قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ. اهـ.
وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ بِوَضْعِهَا دَالَّةٌ عَلَى صِحَّةِ تَعْلِيقِهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَهَا أَنَّ النَّذْرَ صَحِيحٌ وَأَنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ إذَا وُجِدَ شَرْطُهُ، وَأَمَّا تَعْجِيلُهُ قَبْلَ وُجُودِ شَرْطِهِ فَغَيْرُ جَائِزٍ وَهَذَا هُوَ الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ مِمَّا أَخْطَئُوا فِيهِ فِي بَيَانِ مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَالْخَطَأُ هُنَا أَقْبَحُ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ وَأَفْحَشُ لِكَثْرَةِ الصَّرَائِحِ بِصِحَّةِ تَعْلِيقِهِ وَأَنَا مُتَعَجِّبٌ لِكَوْنِهِمْ تَدَاوَلُوا هَذِهِ الْعِبَارَاتِ مُتُونًا وَشُرُوحًا وَفَتَاوَى وَلَمْ يَتَنَبَّهُوا لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْخَطَأِ بِتَغَيُّرِ الْأَحْكَامِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. وَقَدْ يَقَعُ كَثِيرًا أَنَّ مُؤَلِّفًا يَذْكُرُ شَيْئًا خَطَأً فِي كِتَابِهِ فَيَأْتِي مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْمَشَايِخِ فَيَنْقُلُونَ تِلْكَ الْعِبَارَةَ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ وَلَا تَنْبِيهٍ فَيَكْثُرُ النَّاقِلُونَ لَهَا وَأَصْلُهَا لِوَاحِدٍ مُخْطِئٍ كَمَا وَقَعَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَا عَيْبَ بِهَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ مَوْلَانَا مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ ضَابِطَ الْمَذْهَبِ لَمْ يَذْكُرْ جُمْلَةَ مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَمَا يَصِحُّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ فِي قَوْلِ قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْأَمَانَاتِ تَنْقَلِبُ مَضْمُونَةً بِالْمَوْتِ عَنْ تَجْهِيلٍ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ.
ثُمَّ إنِّي تَتَبَّعْت كَلَامَهُمْ فَوَجَدْت سَبْعَةً أُخْرَى زَائِدَةً عَلَى الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ إنِّي نَبَّهْت عَلَى أَنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لِلنَّاطِقِيِّ أَخْطَأَ فِيهَا، ثُمَّ تَدَاوَلُوهَا وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَقِّقَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى جَمْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَوَضَعَهَا فِي كِتَابِهِ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ ضَبْطِهِ وَإِتْقَانِهِ، وَلَوْ حَذَفَهَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَكَانَ أَسْلَمَ.
قَوْلُهُ (وَالْمُزَارَعَةُ) بِأَنْ قَالَ زَارَعْتُك أَرْضِي عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي كَذَا أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ؛ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ كَالْإِجَارَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْمُزَارَعَةِ شَرْطًا فِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى الْمُزَارِعِ أَوْ رَبِّ الْأَرْضِ مَا لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الْمُزَارَعَةِ فَسَدَتْ وَمَا يَنْبُتُ وَمَا يَنْمِي الْخَارِجَ أَوْ يَزِيدُ فِي وُجُودِ الْخَارِجِ فَهُوَ مِنْ عَمَلِ الْمُزَارَعَةِ وَمَا لَا يَنْبُتُ وَلَا يَنْمِي وَلَا يَزِيدُ فِي الْخَارِجِ فَلَيْسَ مِنْ أَعْمَالِهَا، فَإِذَا شَرَطَ عَلَى الْمُزَارِعِ أَوْ رَبِّهَا الْحَصَادَ أَوْ الدِّيَاسَةَ فَسَدَتْ مِنْ أَيِّهِمَا كَانَ الْبَذْرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ.
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ تَفْرِيعَاتٍ كَثِيرَةٍ هَذَا كُلُّهُ فِي الشَّرْطِ النَّافِعِ لِأَحَدِهِمَا وَإِنْ شَرَطَ أَلَّا يَنْفَعَ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَسْقِي أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ لَا تَفْسُدُ الْمُزَارَعَةُ وَفِيمَا إذَا كَانَ شَرْطًا مُفْسِدًا لَوْ أَبْطَلَاهُ أَنَّ الشَّرْطَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَإِلَّا عَادَ جَائِزًا إلَى آخِرِ مَا فِيهَا.
قَوْلُهُ (وَالْمُعَامَلَةُ) وَهِيَ الْمُسَاقَاةُ بِأَنْ قَالَ سَاقَيْتُك شَجَرِي أَوْ كَرْمِي عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي كَذَا أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ أَيْضًا، كَذَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ.
قَوْلُهُ (وَالْإِقْرَارُ) بِأَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا إنْ أَقْرَضَنِي كَذَا أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُحْلَفُ بِهِ عَادَةً فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْجُحُودِ أَوْ دَعْوَى الْأَجَلِ فَيَلْزَمُهُ لِلْحَالِ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَمِنْ فُرُوعِ تَعْلِيقِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ مِنْ جُمْلَةِ مَا أَخْطَئُوا فِيهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ تَعَقَّبَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ بِأَنَّ مَا هُنَا فِي تَعْلِيقِ الِاعْتِكَافِ لَا فِي تَعْلِيقِ النَّذْرِ بِهِ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا فِي هِبَةِ النِّهَايَةِ جُمْلَةُ مَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا وَعَدَّ مِنْهَا تَعْلِيقَ إيجَابِ الِاعْتِكَافِ بِالشَّرْطِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَا إذَا قَالَ أَوْجَبْت عَلَى الِاعْتِكَافِ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَتَدَبَّرْهُ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالتَّأَدُّبُ مَعَ سَادَاتِنَا الْأَعْلَامِ وَحُسْنُ الظَّنِّ بِهِمْ وَاجِبٌ بِلَا كَلَامٍ وَالْحَقُّ أَنَّ كَلَامَهُمْ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى رِوَايَةٍ فِي الِاعْتِكَافِ وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى هِيَ الَّتِي عَلَيْهَا الْأَكْثَرُ وَكَوْنُ مُحَمَّدٍ لَمْ يَذْكُرْهَا مَجْمُوعَةً لَا يَقْدَحُ فِي ثُبُوتِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْهَا لِذِكْرِهِ لَهَا مُتَفَرِّقَةً وَالْعُذْرُ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْهَا مَجْمُوعَةً أَنَّهُ الْتَزَمَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْقُدُورِيِّ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَيْسَ فِيهِمَا ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ حَذَفَهَا فِي الْمَجْمَعِ لِالْتِزَامِهِ الْمَنْظُومَةَ وَالْقُدُورِيُّ. اهـ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ مَسْأَلَةِ الِاعْتِكَافِ مَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ حَيْثُ قَالَ وَتَعْلِيقُ الِاعْتِكَافِ بِالشَّرْطِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُهُ، كَذَا ذُكِرَ فِي صَوْمِ الْأَصْلِ. اهـ.
وَالْأَصْلُ مِنْ مُؤَلَّفَاتِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِي الْحَوَاشِي الْعَزْمِيَّةِ فَسَادُ الِاعْتِكَافِ بِالشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ مَنْ عَلَيْهِ اعْتِكَافُ أَيَّامٍ نَوَيْت أَنْ أَعْتَكِفَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لِأَجَلِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا أَصُومَ أَوْ أُبَاشِرَ امْرَأَتِي فِي الِاعْتِكَافِ أَوْ أَنْ أَخْرُجَ عَنْهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت بِحَاجَةٍ أَوْ بِغَيْرِ حَاجَةٍ يَكُونُ الِاعْتِكَافُ فَاسِدًا وَتَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ بِأَنْ يَقُولَ نَوَيْت أَنْ أَعْتَكِفَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ.
وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ أَوَّلًا عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَصْرِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ تَعْبِيرُ بَعْضِهِمْ بِإِيجَابِ الِاعْتِكَافِ وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنْ يُقَالَ لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ مَثَلًا ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ نَوَيْت الِاعْتِكَافَ الْمَنْذُورَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ أَوْجَبَ الِاعْتِكَافَ مُعَلَّقًا فَلَمْ يَصِحَّ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِتَعْلِيقِ إيجَابِهِ تَعْلِيقَ النَّذْرِ بِهِ بَلْ تَعْلِيقُ الشُّرُوعِ فِيهِ فَلَا خَطَأَ فِي كَلَامِهِمْ أَصْلًا وَإِنَّمَا الْخَطَأُ فِي فَهْمِ مَرَامِهِمْ وَحَيْثُ ثَبَتَ بُطْلَانُ تَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ صَحَّ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ