أَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا؛ لِأَنَّ تَرْكَ الطَّلَاقِ لَا يَكُونُ عِوَضًا بَقِيَتْ هَذِهِ هِبَةً بِشَرْطٍ فَاسِدٍ وَالْهِبَةُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ.
وَذُكِرَ فِي النَّوَازِلِ إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا تَرَكْت مَهْرِي عَلَيْك عَلَى أَنْ تَجْعَلَ أَمْرِي بِيَدِي فَفَعَلَ الزَّوْجُ ذَلِكَ قَالَ مَهْرُهَا عَلَيْهِ مَا لَمْ تُطَلِّقْ نَفْسَهَا، وَلَوْ وَهَبَتْ مَهْرَهَا الَّذِي عَلَى الْمُطَلِّقِ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ أَبَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَالُوا مَهْرُهَا عَلَيْهِ عَلَى حَالِهِ تَزَوَّجَهَا أَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا؛ لِأَنَّهَا جَعَلَتْ الْمَالَ عَلَى نَفْسِهَا عِوَضًا عَنْ النِّكَاحِ وَفِي النِّكَاحِ الْعِوَضُ لَا يَكُونُ عَلَى الْمَرْأَةِ. اهـ.
مَا فِي الْخَانِيَّةِ فَإِنْ قُلْتُ: إنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ إبْرَاءٌ فَكَيْفَ صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ قُلْتُ: الْإِبْرَاءُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ الْمُتَعَارَفِ وَبِهَذَا يَجِبُ تَقْيِيدُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمَنْ أَطْلَقَ فَفِي الْمَسَائِلِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا الَّتِي قَالُوا فِيهَا بِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُتَعَارَفِ وَمَا قَالُوا فِيهَا بِعَدَمِهَا فَإِنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ الْمُتَعَارَفِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّقْيِيدِ أَيْضًا مَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ مَسَائِلِ الْإِبْرَاءِ بِالطَّلَاقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَلَوْ أَبْرَأَتْهُ مُطَلَّقَتُهُ بِشَرْطِ الْإِمْهَارِ صَحَّ التَّعْلِيقُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُتَعَارَفٌ وَتَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ جَائِزٌ فَإِنْ قَبِلَ الْإِمْهَارَ وَهَمَّ بِأَنْ يُمْهِرَهَا فَأَبَتْ وَلَمْ تُزَوِّجْ نَفْسَهَا مِنْهُ لَا يَبْرَأُ لِفَوَاتِ الْإِمْهَارِ الصَّحِيحِ، وَلَوْ أَبْرَأَتْهُ الْمَبْتُوتَةُ بِشَرْطِ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ بِمَهْرٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا مِائَةٌ، فَلَوْ جَدَّدَ لَهَا نِكَاحًا بِدِينَارٍ فَأَبَتْ لَا يَبْرَأُ بِدُونِ الشَّرْطِ قَالَتْ الْمُسَرِّحَةُ لِزَوْجِهَا تَزَوَّجْنِي فَقَالَ لَهَا هَبِي لِي الْمَهْرَ الَّذِي لَك عَلَيَّ فَأَتَزَوَّجُك فَأَبْرَأَتْهُ مُطْلَقًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِشَرْطِ التَّزَوُّجِ يَبْرَأُ إذَا تَزَوَّجَهَا وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ مُعَلَّقٌ دَلَالَةً وَقِيلَ لَا يَبْرَأُ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا لِأَنَّ هَذَا الْإِبْرَاءَ عَلَى سَبِيلِ الرِّشْوَةِ فَلَا يَصِحُّ أَبْرَأَتْهُ بِشَرْطِ أَنْ يُمْسِكَهَا بِمَعْرُوفٍ وَيُحْسِنُ مُعَاشَرَتَهَا وَلَا يُؤْذِيهَا وَلَا يُطَلِّقُهَا فَقَبِلَ، ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَأَغَارَ عَلَى مَالِهَا وَأَذَاهَا وَطَلَّقَهَا فَالْإِبْرَاءُ بِهَذَا الشَّرْطِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَسَاقَ فِيهَا فُرُوعًا كَثِيرَةً فِي بَعْضِهَا لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ وَفِي بَعْضِهَا يَصِحُّ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ قَالَ كُلُّ حَقٍّ لِي عَلَيْك فَقَدْ أَبْرَأْتُك لَا يَصِحُّ وَكَذَا إضَافَةُ الْإِبْرَاءِ إلَى مَا يَجِبُ فِي الزَّمَنِ الثَّانِي لَا يَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ الدَّنَانِيرُ الْعَشَرَةُ الَّتِي لِي عَلَيْك اعْطِنِي مِنْهَا خَمْسَةً وَوَهَبْت مِنْك الْخَمْسَةَ صَحَّ الْإِبْرَاءُ سَوَاءٌ أَعْطَاهُ الْخَمْسَةَ أَوْ لَا لِأَنَّهُ تَنْجِيزُ الْإِبْرَاءِ لَا تَعْلِيقُهُ، وَلَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك عَنْ الْخَمْسَةِ عَلَى أَنْ تَدْفَعَ الْخَمْسَةَ حَالَّةً فَإِنْ كَانَتْ الْعَشَرَةُ حَالَّةً صَحَّ الْإِبْرَاءُ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْخَمْسَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ حَالًّا فَلَا يَكُونُ هَذَا تَعْلِيقَ الْإِبْرَاءِ بِشَرْطِ تَعْجِيلِ الْخَمْسَةِ، وَلَوْ مُؤَجَّلَةً بَطَلَ الْإِبْرَاءُ إذَا لَمْ يُعْطِهِ الْخَمْسَةَ حَالًّا. اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَصِحُّ تَقْيِيدُهُ بِالشَّرْطِ وَلَيْسَ هُوَ تَعْلِيقًا وَعَلَيْهِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي آخِرِ كِتَابِ الصُّلْحِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَاكَ أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَصِحُّ تَقْيِيدُهُ لَا تَعْلِيقُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَهَذَا التَّقْرِيرُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الشَّرْحِ فَاغْتَنِمْهُ وَاحْفَظْ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الْإِبْرَاءِ.
قَوْلُهُ (وَعَزْلُ الْوَكِيلِ) بِأَنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ عَزَلْتُك عَلَى أَنْ تُهْدِيَ إلَيَّ شَيْئًا أَوْ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَحْلِفُ بِهِ فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ، كَذَا ذَكَرَ الْعَيْنِيُّ وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ تَعْلِيقِهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا خَطَأٌ أَيْضًا وَأَنَّ عَزْلَ الْوَكِيلِ لَيْسَ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ مُعَلَّقٌ دَلَالَةً) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَكُونُ بِالدَّلَالَةِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ فَلْيُحْفَظْ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَصِحُّ تَقْيِيدُهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي الصُّلْحِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفٌ فَقَالَ أَدِّ إلَيَّ غَدًا نِصْفَهُ عَلَى أَنَّكَ بَرِيءٌ مِنْ الْفَضْلِ فَفَعَلَ بَرِئَ، وَلَوْ قَالَ إنْ أَوْ إذَا أَوْ مَتَى أَدَّيْت لَا يَصِحُّ وَفَرَّقَ الشَّارِحُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ لَمْ يُعَلِّقْ الْبَرَاءَةَ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا أَتَى بِالتَّقْيِيدِ وَفِي الثَّانِي بِصَرِيحِهِ وَهِيَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ. اهـ.
أَقُولُ: قَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الصُّلْحِ مِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا قَالَ أَبْرَأْتُك مِنْ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي خَمْسَمِائَةٍ غَدًا يَبْرَأُ مُطْلَقًا أَدَّى خَمْسَمِائَةٍ فِي الْغَدِ أَوْ لَمْ يُؤَدِّ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ قَدْ حَصَلَتْ بِالْإِطْلَاقِ أَوَّلًا فَلَا تَتَغَيَّرُ بِمَا يُوجِبُ الشَّكَّ فِي آخِرِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْأُولَى أَعْنِي قَوْلَهُ أَدِّ غَدًا نِصْفَهُ عَلَى أَنَّكَ بَرِيءٌ مِنْ الْفَضْلِ فَفَعَلَ بَرِئَ وَإِلَّا لَا وَحَاصِلُ الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرَهُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كَلِمَةَ " عَلَى " تَكُونُ لِلشَّرْطِ كَمَا تَكُونُ لِلْمُعَاوَضَةِ فَتُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمُعَاوَضَةِ وَالْإِبْرَاءُ يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِالشَّرْطِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُهُ بِهِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَدَّمَ الْإِبْرَاءَ لِأَنَّهُ بَرِئَ بِالْبُدَاءَةِ فَلَا يَعُودُ الدَّيْنُ بِالشَّكِّ وَفِي الْأُولَى لَمْ يَبْرَأْ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ فَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِالشَّكِّ وَهَذَا لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى مُحْتَمِلَةٌ أَنْ تَكُونَ لِلشَّرْطِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالْأَدَاءِ وَأَنْ تَكُونَ لِلْعِوَضِ فَيَبْرَأُ مُطْلَقًا وَحِينَئِذٍ فَلَا يَبْرَأُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ. اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا صَرِيحٌ أَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِالتَّعْلِيقِ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا التَّقْرِيرُ) الَّذِي تَحَصَّلَ مِنْهُ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الدَّيْنِ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ إلَّا إذَا عَلَّقَ بِمَوْتِ الدَّائِنِ وَلَمْ يَكُنْ الْمَدْيُونُ وَارِثًا أَوْ عَلَّقَهُ بِأَمْرٍ كَائِنٍ أَوْ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ وَتَحَصَّلَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ فَهُوَ مِمَّا دَخَلَ تَحْتَ الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ كَلَامِ الْمَاتِنِ.
(قَوْلُهُ: وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا خَطَأٌ أَيْضًا إلَخْ) نُقِلَ فِي الْحَوَاشِي الْعَزْمِيَّةِ عَنْ الْإِيضَاحِ