بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك؛ لِأَنَّ نَفْيَهُ مُطْلَقًا بِانْتِفَاءِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ سَبِيلًا فَلِهَذَا يُحْتَمَلُ الْعِتْقُ اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ مَالَ إلَى أَنَّهُ يَعْتِقُ بِالنِّيَّةِ فِي لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّهُ لَيْسَ بِبَعِيدٍ، وَعَنْ الْكَرْخِيِّ فَنِيَ عُمْرِي وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي الْفَرْقُ بَيْنَ نَفْيِ السُّلْطَانِ وَالسَّبِيلِ وَمِثْلُ هَذَا الْإِمَامَ لَا يَقَعُ لَهُ مِثْلُ هَذَا إلَّا وَالْمَحَلُّ مُشْكِلٌ وَهُوَ بِهِ جَدِيرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْيَدَ الْمُفَسَّرَ بِهَا السُّلْطَانُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الْجَارِحَةَ الْمَحْسُوسَةَ، بَلْ الْقُدْرَةَ فَإِذَا قِيلَ لَهُ سُلْطَانٌ أَيْ يَدٌ يَعْنِي الِاسْتِيلَاءَ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْكَافِي بِأَنَّ السُّلْطَانَ يُرَادُ بِهِ الِاسْتِيلَاءُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ نَفْيُهُ نَفْيَ الِاسْتِيلَادِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا فَصَحَّ أَنْ يُرَادَ مِنْهُ مَا يُرَادُ بِنَفْيِ السَّبِيلِ، بَلْ أَوْلَى بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ، أَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْمَانِعَ الَّذِي عَيَّنَهُ مِنْ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْعِتْقُ وَهُوَ لُزُومُ أَنْ يَثْبُتَ بِاللَّفْظِ أَكْثَرُ مِمَّا وُضِعَ لَهُ غَيْرَ مَانِعٍ، إذْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ أَوْسَعَ مِنْ الْحَقِيقِيِّ فَلَا بِدْعَ فِي ذَلِكَ، بَلْ هُوَ ثَابِتٌ فِي الْمُحَازَاتِ الْعَامَّةِ فَإِنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ فِيهَا يَصِيرُ فَرْدًا مِنْ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ كَذَا هَذَا يَصِيرُ زَوَالُ الْيَدِ مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ أَعْنِي الْعِتْقَ أَوْ زَوَالَ الْمِلْكِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ كَوْنُ نَفْيِ السُّلْطَانِ مِنْ الْكِنَايَاتِ اهـ.
أَمَّا عَدَمُ الْوُقُوعِ بِأَلْفَاظِ الطَّلَاقِ وَلَوْ نَوَى الْعِتْقَ فَهَذَا مَذْهَبُنَا إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقَعُ بِقَوْلِهِ لِأَمَتِهِ طَلَّقْتُك نَاوِيًا الْعِتْقَ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَجْهُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لُغَةً إثْبَاتُ الْقُوَّةِ وَالطَّلَاقَ رَفْعُ الْقَيْدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ أُلْحِق بِالْجَمَادَاتِ وَبِالْإِعْتَاقِ يَحْيَى فَيَقْدِرُ وَلَا كَذَلِكَ الْمَنْكُوحَةُ فَإِنَّهَا قَادِرَةٌ إلَّا أَنَّ قَيْدَ النِّكَاحِ مَانِعٌ وَبِالطَّلَاقِ يَرْتَفِعُ الْمَانِعُ فَتَظْهَرُ الْقُوَّةُ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى؛ وَلِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ فَوْقَ مِلْكِ النِّكَاحِ فَكَانَ إسْقَاطُهُ أَقْوَى، وَاللَّفْظُ يَصْلُحُ مَجَازًا عَمَّا هُوَ دُونَ حَقِيقَتِهِ لَا عَنْ مَا هُوَ فَوْقَهُ فَلِهَذَا امْتَنَعَ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَانْسَاغَ فِي عَكْسِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُسْتَعَارُ أَلْفَاظُ الْعِتْقِ لِلطَّلَاقِ دُونَ عَكْسِهِ بِنَاءً عَلَى مَا فِي الْأُصُولِ مِنْ جَوَازِ اسْتِعَارَةِ السَّبَبِ لِلْمُسَبَّبِ دُونَ عَكْسِهِ إلَّا أَنْ يَخْتَصَّ الْمُسَبَّبُ بِالسَّبَبِ فَكَالْمَعْلُولِ فَيَصِحُّ اسْتِعَارَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ صَرِيحَ الطَّلَاقِ وَكِنَايَاتِهِ فَلَا يَقَعُ بِهَا الْعِتْقُ أَصْلًا فَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ فَرْجُك عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ فَإِنَّهَا لَا تَعْتِقُ وَإِنْ نَوَاهُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ غَيْرُ صَالِحٍ لَهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا قُومِي وَاقْعُدِي نَاوِيًا لِلْعِتْقِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَمَّا لَمْ يَصْلُحْ لَهُ لَغَا فَبَقِيَ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ وَهِيَ لَا يَقَعُ بِهَا شَيْءٌ وَسَيَأْتِي فِي الْإِيمَانِ أَنَّهُ إنْ وَطِئَهَا لَزِمَهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فَلْيُحْفَظْ هَذَا
وَيُسْتَثْنَى مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ أَمْرُك بِيَدِك أَوْ اخْتَارِي فَإِنَّهُ يَقَعُ الْعِتْقُ بِهِ بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الْعِتْقَ وَغَيْرَهُ كَانَ كِنَايَةً فَهُوَ مِنْ كِنَايَاتِ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَلَا بِدْعَ فِيهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُمَا مِنْ كِنَايَاتِ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ فَلَا اسْتِثْنَاءَ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَمْرُك بِيَدِك وَأَرَادَ الْعِتْقَ فَأَعْتَقَتْ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ عَتَقَتْ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا إيقَاعَ الْعِتْقِ وَالْإِعْتَاقُ إسْقَاطُ الْمِلْكِ كَالطَّلَاقِ فَيَقْتَصِرُ حُكْمُهُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا أَعْتِقِي نَفْسَك فَقَالَتْ اخْتَرْت كَانَ بَاطِلًا كَمَا فِي الطَّلَاقِ اهـ.
وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ قَالَ لَهَا أَمْرُ عِتْقِك بِيَدِك أَوْ جَعَلْت عِتْقَك فِي يَدِك أَوْ قَالَ لَهُ اخْتَرْ الْعِتْقَ أَوْ خَيَّرْتُك فِي عِتْقِك أَوْ فِي الْعِتْقِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ لِلنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ الْعِتْقَ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ اهـ.
وَقَيَّدَ بِأَلْفَاظِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَطْلَقْتُك أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ ذَلِكَ يَقَعُ الْعِتْقُ إذَا نَوَى كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ؛ لِأَنَّهُ كَقَوْلِهِ خَلَّيْت سَبِيلَك بِخِلَافِ طَلَّقْتُك كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت تَوَجَّهْ أَيْنَمَا شِئْت مِنْ بِلَادِ اللَّهِ لَا يَدَ لِي عَلَيْك لَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى كَمَا فِي الْمُجْتَبَى مَعَ أَنَّ أَطْلَقْتُك مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ يَقَعُ بِهِ بِالنِّيَّةِ فَكَيْفَ وَقَعَ بِهِ الْعِتْقُ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فِيهِمَا وَالْمَمْنُوعُ اسْتِعَارَةُ مَا كَانَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ خَاصَّةً صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً، أَمَّا عَدَمُ الْعِتْقِ فَيَقُولُهُ أَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ فَلِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا وَهِيَ قَدْ تَكُونُ عَامَّةً، وَقَدْ تَكُونُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ أَمْرُك بِيَدِك أَوْ اخْتَارِي إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ الْفَصْلُ التَّاسِعُ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَمَتِهِ أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي بِهِ الْعِتْقَ يَصِيرُ الْعِتْقُ فِي يَدِهَا حَتَّى لَوْ أَعْتَقَتْ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ جَازَ، وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي يَنْوِي الْعِتْقَ لَا يَصِيرُ الْعِتْقُ فِي يَدِهَا فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ اخْتَارِي فِي بَابِ الْعِتْقِ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الطَّلَاقِ اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَكَذَا صَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا لَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ وَإِنْ نَوَاهُ وَكَذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ فَمَا فِي الْأَصْلِ وَالْكَافِي هُوَ نَصُّ الْمَذْهَبِ فَيُقَدَّمُ عَلَى مَا هُنَا فَافْهَمْ