قَادِرًا عَلَى إيفَائِهِ قِيلَ كُلٌّ مِنْهُمَا شَرْطٌ وَسَبَبٌ وَمَنْ جَعَلَ السَّبَبَ الْعَزْمَ أَرَادَ بِهِ الْعَزْمَ الْمُؤَكَّدَ حَتَّى لَوْ عَزَمَ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يَطَأَهَا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْعَزْمِ الْمُؤَكَّدِ لَا أَنَّهَا وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْعَزْمِ ثُمَّ سَقَطَتْ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ بَعْدَ سُقُوطِهَا لَا تَعُودُ إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ لَكِنْ أَوْرَدَ عَلَى مَنْ جَعَلَ الْعَوْدَ وَحْدَهُ سَبَبًا أَنَّ الْحُكْمَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ سَبَبِهِ لَا شَرْطِهِ وَالْكَفَّارَةُ تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الظِّهَارِ لَا الْعَزْمِ وَأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَهَا عَلَى الْعَزْمِ صَحَّ، وَلَوْ كَانَ سَبَبًا لَمْ يَصِحَّ وَلَكِنْ دَفَعَ الثَّانِي بِأَنَّهَا إنَّمَا وَجَبَتْ لِرَفْعِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ فِي الذَّاتِ فَتَجُوزُ بَعْدَ ثُبُوتِهَا كَمَا قُلْنَا فِي الطَّهَارَةِ إنَّهَا جَائِزَةٌ قَبْلَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهَا سَبَبُهَا؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِرَفْعِ الْحَدَثِ فَتَجُوزُ بَعْدَ وُجُودِهِ وَأَوْرَدَ عَلَى مَنْ جَعَلَهُ الظِّهَارَ فَقَطْ أَنَّ السَّبَبَ مَا دَارَ بَيْنَ مَحْظُورٍ وَمُبَاحٍ وَهُوَ مَحْظُورٌ فَقَطْ فَلَا يَصْلُحُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَسَنُجِيبُ عَنْهُ فِي الْكَفَّارَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْأَقْوَالِ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى جَوَازِ التَّكْفِيرِ بَعْدَ الظِّهَارِ قَبْلَ الْعَزْمِ وَعَلَى عَدَمِهِ قَبْلَ الظِّهَارِ وَعَلَى تَكَرُّرِهَا بِتَكَرُّرِ الظِّهَارِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ الْعَزْمُ وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ عَزَمَ ثُمَّ تَرَكَ فَلَا إثْمَ وَعَلَى عَدَمِ الْكَفَّارَةِ لَوْ أَبَانَهَا بَعْدَهُ وَبَعْدَ الْعَزْمِ.
وَمُرَادُ الْمَشَايِخِ مِنْ قَوْلِهِمْ الْعَزْمُ عَلَى وَطْئِهَا الْعَزْمُ عَلَى اسْتِبَاحَةِ وَطْئِهَا لَا الْعَزْمُ عَلَى نَفْسِ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ {ثُمَّ يَعُودُونَ} [المجادلة: 3] بِنَقْضِ مَا قَالُوا وَرَفْعِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِاسْتِبَاحَتِهَا بَعْدَ تَحْرِيمِهَا لِكَوْنِهِ ضِدًّا لِلْحُرْمَةِ لَا نَفْسُ وَطْئِهَا وَلَقَدْ أَبْعَدَ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُرَادَ تَكْرَارُ الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ تَعَالَى ثُمَّ يُعِيدُونَ مَا قَالُوا مِنْ الْإِعَادَةِ لَا مِنْ الْعَوْدِ وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ لِلْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ.
(قَوْلُهُ وَبَطْنُهَا وَفَخِذُهَا وَفَرْجُهَا كَظَهْرِهَا) أَيْ: الْأُمُّ وَهِيَ الْمُشَبَّهُ بِهِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ عُضْوٌ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ مُحَرَّمَةٍ تَأْبِيدًا وَهَذِهِ الْأَعْضَاءُ كَذَلِكَ فَخَرَجَ عُضْوٌ يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْجَنْبِ فَلَا يَكُونُ ظِهَارًا، وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنْتِ عَلَيَّ كَرُكْبَةِ أُمِّي فِي الْقِيَاسِ يَكُونُ مُظَاهِرًا وَلَوْ قَالَ فَخِذُك كَفَخِذِ أُمِّي لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا اهـ. لِفَقْدِ الشَّرْطِ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ جِهَةِ الْمُشَبَّهِ.
(قَوْلُهُ وَأُخْتُهُ وَعَمَّتُهُ وَأُمُّهُ رَضَاعًا كَأُمِّهِ) أَيْ: نَسَبًا لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ كَوْنُهَا مُحَرَّمَةً تَأْبِيدًا نَسَبًا أَوْ صِهْرًا أَوْ رَضَاعًا فَخَرَجَ مَنْ لَا تَحْرُمُ تَأْبِيدًا كَأُخْتِ امْرَأَتِهِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَالْمُرْتَدَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْمُلَاعَنَةِ وَالْمُقَبَّلَةِ حَرَامًا وَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَالْأُخْتِ رَضَاعًا مِنْ لَبَنِ الْفَحْلِ خَاصَّةً كَأَنْ رَضَعَ عَلَى امْرَأَةٍ لَهَا لَبَنٌ مِنْ زَوْجٍ لَهُ بِنْتٌ مِنْ غَيْرِ الْمُرْضِعَةِ فَإِنَّ الرَّضِيعَ بَعْدَ بُلُوغِهِ إذَا شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِهَذِهِ الْبِنْتِ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا، وَقَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَمَا فِي الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لَوْ شَبَّهَهَا بِأُمِّ امْرَأَةٍ زَنَى بِهَا أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ كَانَ مُظَاهِرًا غَلِطَ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ تَكُونَ كَأُمِّ زَوْجَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ وَهِيَ حَلَالٌ وَالتَّعْبِيرُ بِالْغَلَطِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ إلَّا فِيمَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْخَلْوَةِ خَلَا بِامْرَأَةٍ ثُمَّ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّ تِلْكَ الْمَرْأَةِ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا وَالْمُرَادُ خَلَا بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ لَا بِزَوْجَتِهِ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا حَرَامٌ بِالْعَقْدِ تَأْبِيدًا (قَوْلُهُ وَرَأْسُكِ وَوَجْهُكِ وَفَرْجُكِ وَرَقَبَتُكِ وَنِصْفُكِ وَثُلُثُكِ كَانَتْ) يَعْنِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمُشَبِّهَ أَنْ يَذْكُرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِغْفَارِ فِي الْحَدِيثِ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ وَهُوَ فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَلَفْظُهُ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ يُظَاهِرُ ثُمَّ يَمَسُّهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ يَكُفُّ عَنْهَا حَتَّى يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ وَيُكَفِّرَ ثُمَّ قَالَ وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت اهـ.
وَفِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي عَلَى الدُّرَرِ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الِاخْتِيَارِ ذَكَرَ الِاسْتِغْفَارَ فِيهِ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْأَصْلِ فَقَالَ: بَابُ الظِّهَارِ «بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ رَجُلًا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا يَعُودَ حَتَّى يُكَفِّرَ» وَبَلَاغَاتُ مُحَمَّدٍ مُسْنَدَةٌ لِمَنْ تَتَبَّعَهَا وَقَدْ أُسْنِدَ هَذَا فِي كِتَابِ الصَّوْمِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ «ظَاهَرَ رَجُلٌ مِنْ امْرَأَتِهِ فَأَبْصَرَهَا فِي الْقَمَرِ وَعَلَيْهَا خَلْخَالُ فِضَّةٍ فَأَعْجَبَتْهُ فَوَقَعَ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ وَلَا يَعُودَ حَتَّى يُكَفِّرَ» وَوَصَلَهُ الْحَاكِمُ بِذِكْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى الْأَصْلِ مَنْ عَلِمْت فِي رِوَايَةِ الْأَرْبَعَةِ وَالْبَزَّارِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. كَلَامُهُ.
(قَوْلُهُ أَرَادَ بِهِ الْعَزْمَ الْمُؤَكَّدَ) كَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمُتَّصِلَ بِهِ الْفِعْلُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ فِي الْقِيَاسِ يَكُونُ مُظَاهِرًا) أَيْ:؛ لِأَنَّ الرُّكْبَةَ عَوْرَةٌ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ فَخِذُك كَفَخِذِ أُمِّي) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي عَامَّةِ النُّسَخِ فَخِذِي كَفَخِذِ أُمِّي وَهُوَ تَحْرِيفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِتَشْبِيهِ فَخِذِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَأَيْضًا عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ بِالْكَافِ كَالْأُولَى (قَوْلُهُ كَأُخْتِ امْرَأَتِهِ وَعَمَّتِهِ) كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَوُجِدَ فِي نُسْخَةٍ وَعَمَّتُهَا بِضَمِيرِ الْمُؤَنَّثِ وَهِيَ الصَّوَابُ (قَوْلُهُ وَمَا فِي الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ الْقُدُورِيِّ إلَخْ) تَقَدَّمَ رَدُّهُ قَرِيبًا فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ