وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا النَّظَرُ إلَيْهَا بِشَهْوَةٍ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا وَلَا إلَى الشَّعْرِ وَالصَّدْرِ، وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّ اللَّفْظَ الصَّرِيحَ أَعْنِي أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَا يَكُونُ إلَّا ظِهَارًا، وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقًا فِي الْإِسْلَامِ حَتَّى يُوصَفَ بِالنَّسْخِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا إنَّهُ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ يَقْتَضِي إنْ جَعَلَهُ ظِهَارًا لَيْسَ نَاسِخًا وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ شُرَّاحِهَا تَعَرَّضَ لِذَلِكَ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ فِي التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ الْبَحْثَ الثَّانِي أَنَّ الظِّهَارَ كَانَ مِنْ أَشَدِّ طَلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ فِي التَّحْرِيمِ أَوْكَدُ مَا يُمْكِنُ فَإِنْ كَانْ ذَلِكَ الْحُكْمُ مُقَرَّرًا فِي الشَّرْعِ كَانَتْ الْآيَةُ نَاسِخَةً لَهُ وَإِلَّا لَمْ يُعَدَّ نَاسِخًا فِي الشَّرْعِ إلَّا فِي عَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ لَكِنَّ الَّذِي رُوِيَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لَهَا: حَرُمْتِ أَوْ مَا أَرَاك إلَّا قَدْ حَرُمْتِ عَلَيْهِ» كَالدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ شَرْعًا فَأَمَّا مَا رُوِيَ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي الْحُكْمِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ اهـ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ لَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِالْكَفَّارَةِ فَلَا يَبْطُلُ الظِّهَارُ بِزَوَالِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَلَا بِبُطْلَانِ حِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ حَتَّى لَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَمَةً وَظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا، وَكَذَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً فَارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى عَنْ الْإِسْلَامِ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَتْ ثُمَّ اشْتَرَاهَا، وَفِي الْمُحِيطِ أَسْلَمَ زَوْجُ الْمَجُوسِيَّةِ فَظَاهَرَ مِنْهَا قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهَا صَحَّ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ اهـ. .
قَالُوا وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَالِبَهُ بِالْوَطْءِ وَعَلَيْهَا أَنْ تَمْنَعَهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ وَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى التَّكْفِيرِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا بِحَبْسٍ فَإِنْ أَبَى ضَرَبَهُ وَلَا يُضْرَبُ فِي الدَّيْنِ، وَلَوْ قَالَ قَدْ كَفَّرْتَ صُدِّقَ مَا لَمْ يُعْرَفْ بِالْكَذِبِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا أَبَى عَنْ التَّكْفِيرِ عَزَّرَهُ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ إلَى أَنْ يُكَفِّرَ أَوْ يُطَلِّقَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ تَعْلِيقَهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى تُبْطِلُهُ، وَلَوْ قَالَ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَالْمَشِيئَةُ إلَيْهِ.
(قَوْلُهُ فَلَوْ وَطِئَ قَبْلَهُ اسْتَغْفَرَ رَبَّهُ فَقَطْ) أَيْ: لَوْ وَطِئَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ لِأَجْلِ الْوَطْءِ وَالْوَاجِبُ الْكَفَّارَةُ الْأُولَى لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي «الْمُظَاهِرِ يُوَاقِعُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ قَالَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ» ، وَأَمَّا الِاسْتِغْفَارُ فَمَنْقُولٌ فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّوْبَةُ مِنْ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ وَهِيَ حُرْمَةُ الْوَطْءِ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ.
(قَوْلُهُ وَعَوْدُهُ عَزْمُهُ عَلَى وَطْئِهَا) أَيْ: عَوْدُ الْمُظَاهِرِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ عَزْمُهُ عَلَى وَطْءِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَهُوَ بَيَانٌ لِسَبَبِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا عَلَى أَقْوَالٍ مَحْكِيَّةٍ فِي الْبَدَائِعِ فَالْعَامَّةُ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ مَجْمُوعُ الظِّهَارِ وَالْعَوْدِ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ قَبْلَ فَاءِ السَّبَبِيَّةِ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعِبَادَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهَا دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ حَتَّى تَتَعَلَّقَ الْعُقُوبَةُ بِالْمَحْظُورِ وَهُوَ الظِّهَارُ وَالْعِبَادَةُ بِالْمُبَاحِ وَهُوَ الْعَزْمُ عَلَى وَطْئِهَا؛ لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلْمُنْكَرِ وَقِيلَ الظِّهَارُ سَبَبٌ لِلْإِضَافَةِ وَالْعَوْدُ شَرْطٌ وَقِيلَ عَكْسُهُ وَقِيلَ هُمَا شَرْطَانِ وَالسَّبَبُ أَمْرٌ ثَالِثٌ وَهُوَ كَوْنُ الْكَفَّارَةِ طَرِيقًا مُتَعَيِّنًا لِإِيفَاءِ حَقِّهَا وَكَوْنُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَهُوَ يَقْتَضِي إنْ جَعَلَهُ ظِهَارًا لَيْسَ نَاسِخًا) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَامِ فَجَعَلَهُ ظِهَارًا ثَانِيًا يَكُونُ نَسْخًا وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامَيْ الْهِدَايَةِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا سَاقَ بَعْدَهُ عِبَارَةَ التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ لِلْإِشَارَةِ إلَى الْجَوَابِ بِمَا قُلْنَا فَإِنَّ ذَلِكَ التَّوْفِيقَ يُؤْخَذُ مِنْهَا.
(قَوْلُهُ وَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى التَّكْفِيرِ إلَخْ) قَالَ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ لَا فَائِدَةَ لِلْإِجْبَارِ عَلَى التَّكْفِيرِ إلَّا الْوَطْءَ وَالْوَطْءُ لَا يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ كَمَا مَرَّ فِي الْقَسَمِ وَلِهَذَا لَوْ صَارَ عِنِّينًا بَعْدَمَا وَطِئَهَا مَرَّةً لَا يُؤَجَّلُ وَاشْتِرَاطُ الْأَوَّلِ لِتَكْمِيلِ الصَّدَاقِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرْفَعَ إلَى مَنْ لَا يَرَى التَّكْمِيلَ بِالْخَلْوَةِ حَمَوِيٌّ عَنْ الْغَايَةِ قَالَ وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يَطَأْهَا قَبْلَ الظِّهَارِ أَبَدًا بَعِيدٌ وَقَدْ يُقَالُ فَائِدَةُ الْإِجْبَارِ عَلَى التَّكْفِيرِ رَفْعُ الْمَعْصِيَةِ قَالَ الشَّلَبِيُّ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْكَفَّارَاتِ إلَّا كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَوَجْهُ عَدَمِ الْجَبْرِ عَلَيْهَا أَنَّهَا عِبَادَةٌ اهـ.
قُلْتُ وَقَدْ رَأَيْتُ فِي الْبَدَائِعِ مَا يُقَرِّبُ مَا اسْتَبْعَدَهُ وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِي بَيَانِ سَبَبِ الْكَفَّارَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَيْ: مِنْ الظِّهَارِ وَالْعَوْدِ شَرْطٌ وَسَبَبُ الْوُجُوبِ أَمْرٌ ثَالِثٌ وَهُوَ كَوْنُ الْكَفَّارَةِ طَرِيقًا مُتَعَيِّنًا لِإِيفَاءِ الْوَاجِبِ وَكَوْنُهُ قَادِرًا عَلَى الْإِيفَاءِ؛ لِأَنَّ إيفَاءَ حَقِّهَا فِي الْوَطْءِ وَاجِبٌ وَيَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ إنْ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا وَلَمْ يَطَأْهَا مَرَّةً وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَقَدْ وَطِئَهَا مَرَّةً لَا يَجِبُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا لِإِيفَاءِ حَقِّهَا وَعِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا يَجِبُ فِي الْحُكْمِ أَيْضًا حَتَّى يُجْبَرَ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُهُ إيفَاءُ الْوَاجِبِ إلَّا بِرَفْعِ الْحُرْمَةِ وَلَا تَرْتَفِعُ الْحُرْمَةُ إلَّا بِالْكَفَّارَةِ فَتَلْزَمُهُ ضَرُورَةُ إيفَاءِ الْوَاجِبِ اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَجِبُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى صَوَابُهُ يَجِبُ وَأَنَّ لَا زَائِدَةٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ لِمَا قَالُوا مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَانَةً أَنْ يَقْصِدَهَا بِالْوَطْءِ أَحْيَانًا.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الِاسْتِغْفَارُ فَمَنْقُولٌ فِي الْمُوَطَّإِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَأَمَّا ذِكْرُ