كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا وَفِيهَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إذَا جَاءَ غَدٌ كَانَ بَاطِلًا، وَلَوْ قَالَ: أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَمْسِ كَانَ بَاطِلًا اهـ.
وَالْفَرْعَانِ مُشْكِلَانِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الظِّهَارِ أَوْ تَعْلِيقِهِ اهـ.
وَهُمَا صَحِيحَانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِمَا فِي الْبَدَائِعِ وَالثَّانِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالطَّلَاقِ إنْ كَانَ نَكَحَهَا قَبْلَ أَمْسِ كَانَ مُظَاهِرًا الْآنَ وَإِنْ كَانَ نَكَحَهَا الْيَوْمَ كَانَ لَغْوًا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ هُنَا أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ: الْمُشَبِّهُ وَالْمُشَبَّهُ وَالْمُشَبَّهُ بِهِ وَأَدَاةُ التَّشْبِيهِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ: وَهُوَ الْمُشَبِّهُ وَهُوَ بِكَسْرِ الْبَاءِ فَهُوَ الزَّوْجُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْمُسْلِمُ وَزَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة الْعَالِمُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ.
وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ الْمُشَبَّهُ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمَنْكُوحَةُ أَوْ عُضْوٌ مِنْهَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ كُلِّهَا أَوْ جُزْءٍ شَائِعٍ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ: وَهُوَ الْمُشَبَّهُ بِهِ عُضْوٌ وَلَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ تَأْبِيدًا، وَأَمَّا الرَّابِعُ وَهُوَ الدَّالُّ عَلَيْهِ وَهُوَ رُكْنُهُ وَهُوَ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ فَالصَّرِيحُ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَمِنِّي وَعِنْدِي وَمَعِي كَعَلَيَّ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا قَالَ: أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي بِدُونِ إضَافَةٍ لَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مُظَاهِرًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَصَدَ أَنَّهَا كَظَهْرِ أُمِّهِ عَلَى غَيْرِهِ وَأَنَا مِنْكِ مُظَاهِرٌ وَظَاهَرْتُ مِنْكِ مِنْ الصَّرِيحِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ: أَنْت مِنِّي مُظَاهَرَةٌ أَنَّهُ يَكُونُ بَاطِلًا وَشَرْطُهُ فِي الْمَرْأَةِ كَوْنُهَا زَوْجَةً، وَلَوْ أَمَةً فَلَا يَصِحُّ مِنْ أَمَتِهِ وَلَا مِنْ مُبَانَتِهِ وَلَا مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ إلَّا إذَا أَضَافَهُ إلَى التَّزَوُّجِ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِي الرَّجُلِ كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ فَلَا يَصِحُّ مِنْ ذِمِّيٍّ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة يَلْزَمُ الذِّمِّيَّ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ إذَا ظَاهَرَ، وَفِي صِحَّتِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ نَظَرٌ إنَّمَا نَقَلَهُ الْمَشَايِخُ عَنْ الشَّافِعِيِّ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَالَى قَيَّدَ بِقَوْلِهِ مِنْكُمْ فِي الْآيَةِ الْأُولَى وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [المجادلة: 2] .
وَلَمَّا شَرَعَ فِي بَيَانِ الْكَفَّارَةِ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَوْلِهِ مِنْكُمْ فَقَالَ {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْكَفَّارَةِ لَمْ يَصِحَّ ظِهَارُهُ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَيَّدَ الرَّقَبَةَ بِالْإِيمَانِ وَلَمْ يُجَوِّزْ أَنْ يَمْلِكَ الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ وَصَحَّحَ ظِهَارَهُ فَكَانَ تَنَاقُضًا وَرَدَّهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّا عَيَّنَّا لِكَفَّارَتِهِ الْإِطْعَامَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الظِّهَارِ أَنْ يَكُونَ الْمُظَاهِرُ أَهْلًا لِكُلِّ الْأَنْوَاعِ بِدَلِيلِ أَنَّ ظِهَارَ الْعَبْدِ صَحِيحٌ عِنْدَنَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِغَيْرِ الصَّوْمِ، وَلَوْ ظَاهَرَ الْمُسْلِمُ ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى بَقِيَ ظِهَارُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ لَا يَحِلُّ الْقُرْبَانُ إلَّا بِالْكَفَّارَةِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْقَى؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَيْسَ أَهْلًا لِحُكْمِهِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَلَهُ أَنَّ الْحَالَ حَالُ بَقَاءِ حُكْمِهِ وَهُوَ الْحُرْمَةُ لَا حَالُ الِانْعِقَادِ وَالْكُفْرُ لَيْسَ بِمُنَافٍ لِلْحُرْمَةِ وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ الْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ إلَى غَايَةِ الْكَفَّارَةِ.
(قَوْلُهُ حَرُمَ الْوَطْءُ وَدَوَاعِيهِ بِأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي حَتَّى يُكَفِّرَ) أَمَّا حُرْمَةُ الْوَطْءِ فَبِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَمَّا حُرْمَةُ الدَّوَاعِي فَلِدُخُولِهَا تَحْتَ النَّصِّ الْمُفِيدِ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ فِيهِ لِلْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ وَهُوَ الْوَطْءُ لِإِمْكَانِ الْحَقِيقَةِ وَيَحْرُمُ الْجِمَاعُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ التَّمَاسِّ فَيَحْرُمُ الْكُلُّ بِالنَّصِّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُوجِبَ لِلْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ مَوْجُودٌ وَهُوَ صِدْقُ التَّمَاسِّ عَلَى الْمَسِّ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ اتِّفَاقًا فَالتَّحْقِيقُ خِلَافُ مَا زَعَمَ أَنَّهُ التَّحْقِيقُ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْوَطْءَ إذَا حَرُمَ حَرُمَ مَا كَانَ دَاعِيًا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ طَرِيقَ الْمُحَرَّمِ مُحَرَّمٌ وَقَدْ اسْتَمَرَّ هَذَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَالْإِحْرَامِ وَالِاعْتِكَافِ وَخَرَجَ فِي الصَّوْمِ وَالْحَيْضِ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ لِنَصٍّ صَرِيحٍ وَهُوَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ نِسَائِهِ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ يُقَبِّلُهَا وَهِيَ حَائِضٌ» وَحِكْمَتُهُ لُزُومُ الْحَرَجِ لَوْ حَرُمَتْ الدَّوَاعِي فِي الصَّوْمِ وَالْحَيْضِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِمَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ لِلْمُظَاهِرِ تَقْبِيلُهَا إذْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ لِلشَّفَقَةِ وَالدَّوَاعِي الْمُبَاشِرَةِ وَالتَّقْبِيلُ وَاللَّمْسُ عَنْ شَهْوَةٍ وَالنَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا إنْ أُرِيدَ مَنْ أَرْضَعَهُ نَفْسُ الْفَحْلِ فَلَا إشْكَالَ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ اهـ. وَسَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ.
(قَوْلُهُ وَالْفَرْعَانِ مُشْكِلَانِ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ وَالْجَوَابُ أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ لِمُخَالَفَتِهَا الْمَشْهُورَ فِي الْكُتُبِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَالْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرَهُ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ تَوْقِيتُهُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ فَلَا تَتَعَدَّى الْحُرْمَةُ مِنْ أَمْسِ إلَى الْيَوْمِ وَمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مُظَاهِرًا) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُظَاهِرًا فَتَدَبَّرْهُ اهـ.
وَقَالَ الرَّمْلِيُّ لَا يَكُونُ ظِهَارًا مَا لَمْ يَنْوِ الظِّهَارَ؛ لِأَنَّ حَذْفَ الظَّرْفِ عِنْدَ الْعِلْمِ بِهِ جَائِزٌ وَإِذَا نَوَاهُ صَحَّ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ فَالتَّحْقِيقُ خِلَافُ مَا زَعَمَ أَنَّهُ التَّحْقِيقُ) أَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمَسَّ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ خَارِجٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا النَّظَرُ إلَيْهَا أَوْ إلَى نَحْوِ ظَهْرِهَا بِشَهْوَةٍ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ لِلشَّفَقَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ تَقْيِيدُهُ بِعَدَمِ الشَّهْوَةِ تَحْرِيفٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخُصُّ الْمُسَافِرَ