فقال الحجاج: فذاك أشنع. وما هو؟ قال: تقول: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} "برفع أحب" وصحتها أحبَّ "بالنصب". فقال: والله لن تسمعني ألحن بعد ذلك وأبعده إلى خراسان1. ومن هذا النوع أيضًا -وإن اختلف سلوك كل- عمر بن عبد العزيز الذي لحن لحنة فنبه إليها فحبس نفسه في منزله ومعه من يعلمه العربية. ولم يخرج على الملإ إلا وهو أفصح الناس2. ويروى كذلك أن عبد الملك ابن مروان، وإن لم يكن قد عرف عنه اللحن؛ فإنه كا يتجنبه ويتوقاه ولهذا حين سئل: "لماذا عجل الشيب إلى رأسك يا أمير المؤمنين" فقال: "شيبتني مواقف الخطابة وتوقع اللحن".
ويرى الأستاذ الدكتور إبراهيم أنيس أن جميع الأمثلة التي ذكرها العروضيون للإقواء ليست من قبيل الخطأ الموسيقي، وإنما من قبيل الخطأ النحوي. وعلى هذا فهو يرى أن حسان بن ثابت كان ينشد:
لا بأس بالقوم من طول ومن قصر ... جسم البغال وأحلام العصافير
كأنه قصب جفت أسافله ... مثقب نفخت فيه الأعاصير
بكسر الأعاصير حفاظًا على النغمة الموسيقية، وإن كسر بذلك قواعد النحو "وليس بالرفع كما زعم النحاة حفاظًا على قواعد النحو، وإن كان يكسر النغمة الموسيقية"، إذا لا يعقل أن الشاعر الفحل يخطئ في الموسيقى وإن عقل أن يخطئ في النحو. وإذا علمنا أن الإقواء كان شائعًا بين الشعراء الجاهليين3 خرجنا من ذلك بأن اللحن كان شائعًا