وقد تبين من هذا أن السبب الأساسي في وضع النحو -مهما كان واضعه- ما فشا من لحن عقب الفتوحات الإسلامية، وامتداد آفاق اللغة العربية إلى مجالات لم تتح لها من قبل، وفساد الألسنة حتى بالنسبة للعرب أنفسهم نتيجة اختلاطهم بالأجانب.
يقول الزبيدي: "لم تزل العرب تنطق على سجيتها في صدر إسلامها وماضي جاهليتها؛ حتى أظهر الله الإسلام على سائر الأديان فدخل الناس فيه أفواجًا، وأقبلوا عليه أرسالًا، واجتمعت الألسنة المتفرقة واللغات المختلفة ففشا الفساد في اللغة العربية"1.
ونلتقط من بين الأمثلة التي ذكرها المؤرخين للحن ما يأتي:
1- تسكين أواخر الكلمات وترك الإعراب خوفًا من اللحن. ومن ذلك ما حكي أن مهدي بن مهلهل كان يقول: "حدثنا هشام بن حسان". بالتسكين على ما نقل الجاحظ2.
2- الانحراف في نطق بعض الأصوات كنطق الظاء ضادًا، وقد سبق مثاله. وكنطق الصاد سينًا، كما يروى أن عمر بن الخطاب مر برجلين يرميان فقال أحدهما للآخر: أسبت "يعني أصبت" فقال عمر: "سوء اللحن أشد من سوء الرمي"3. ومثل ذلك ما يروى عن مولى زياد أنه كان ينطق الحاء هاء كقوله: "أهدى لنا همار وهش" "أي حمار وحش"4.
3- الخطأ في قواعد النحو، كما يروى أن مؤذنًا سُمع يقول: "أشهد أن محمدًا رسولَ الله" "بنصب رسول" فقال له أعرابي: ويحك، يفعل ماذا؟ وما يروى أن أبا عمرو بن العلاء مر بالبصرة فإذا