لم يؤثر عن العرب أي نوع من الدراسات اللغوية قبل الإسلام، ولهذا فهم متأخرون زمنيًّا عن كثير من الأمم التي سبق أن تحدثنا عن جهودها، والتي عرف لبعضها دراسات لغوية راسخة قبل الإسلام بقرون.
ولم يكن البحث اللغوي عند العرب من الدراسات المبكرة التي خفوا لها سرعًا، لأنهم وجهوا اهتمامهم أولًا إلى العلوم الشرعية والإسلامية وحين فرغوا منها أو كادوا اتجهوا إلى العلوم الأخرى.
يقول السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء معبرًا عن الفكرة: إنه منذ منتصف القرن الثاني الهجري بدأ علماء المسلمين يسجلون الحديث النبوي، ويؤلفون في الفقه الإسلامي والتفسير القرآني. وبعد أن تم تدوين هذه العلوم اتجه العلماء وجهة أخرى نحو تسجيل العلوم غير الشرعية ومن بينها اللغة والنحو1. ويقول الأستاذ أحمد أمين: "أكثر اللغة كتبت في العصر العباسي الأول لا قبله"2. وحتى ما وجد في القرن الأول من تأملات نحوية أو محاولات لدراسة بعض المشاكل اللغوية كان الحافز إليه إسلاميًّا، ولم يقصد بذاته وإنما لاعتباره خادمًا للنص القرآني. ومن ذلك محاولة ابن عباس جمع الكلمات الغريبة في القرآن وشرحها من صحت نسبة "غريب القرآن" إليه. وكذلك محاولة أبي الأسود الدؤلي لضبط المصحف بالشكل حين استحضر كاتبًا وأمره أن يتناول المصحف. وأن يأخذ صنعًا يخالف لون المداد فيضع نقطة فوق