صادفوهم حين ابتدأوا ينقلون لغة العرب قد خالطوا غيرهم من الأمم وفسدت ألسنتهم. والذي نقل اللغة واللسان العربي عن هؤلاء وأثبتها في كتاب فصيرها علمًا وصناعة هم أهل البصرة والكوفة فقط من بين أمصار العرب"1.
وجاء ابن خلدون؛ فأيد في مقدمته رأي الفارابي، وأوضح هذه الفكرة، وارتكز على نفس الأساس السابق، وإن كنا نجد بعض فروق طفيفة في تحديد أسماء القبائل.
يقول ابن خلدون: "الصريح من النسب إنما يوجد للمتوحشين في القفر من العرب ومن في معناهم، وذلك لما اختصوا به من نكد العيش وشظف الأحوال ... فلا ينزع إليهم أحد من الأمم. فيؤمن عليهم لأجل ذلك من اختلاط أنسابهم.. واعتبر ذلك في مضر من قريش، وكنانة وثقيف وبني أسد وهذيل ومن جاورهم من خزاعة، لما كانوا أهل شظف ومواطن غير ذات زرع ولا ضرع، وبعدوا من أرياف الشام والعراق ومعادن الأدم والحبوب ... وأما العرب الذين كانوا بالتلول، وفي معادن الخصب للمراعي والعيش من حمير وكهلان مثل لخم وجذام وغسان وطييء وقضاعة وإياد فاختلطت أنسابهم وتداخلت شعوبهم2.
ويظهر أن هذه القائمة لم تكن محل اتفاق بين جميع اللغويين، ويظهر كذلك أن البصريين كانوا أكثر تمسكًا بها من الكوفيين، ولهذا كانوا يفتخرون بقولهم: "نحن نأخذ اللغة عن حرشة الضباب وأكلة اليرابيع، وهؤلاء "يعنون الكوفيين" أخذوا اللغة عن أهل السواد أصحاب الكوميخ وأكلة الشواريز3. كما كانوا يتهمونهم بأنهم يأخذون اللغة عن غير الفصحاء، يقول أبو جعفر النحاس: "واحد الآناء إني لا يعرف البصريون غيره. وحكى الفراء واحد الآناء إني ...