المبحث الرابع: تصنيفات مناهج البحث العلمي

يختلف الناس بفطرتهم فيما يتناولون من الأمور، وما يسلكون من طرق البحث والاستنباط، ولكل منهم موازين معينة يهتدي بها في تفكيره، ويعتمد عليها في استنباطه، وتكون له منهجا خاصا يتميز عن المنهج الفكري لغيره، ويسيطر على فقهه.

ولقد دار حول لفظ "منهج"1 جدل طويل بين رجال الفلسفة والمنطق وعلم المناهج ولبست هذه اللفظة لباسات متعددة بمرور الزمن، منذ القرن "السادس عشر" حتى الآن. يعرف المنهج بأنه الطريقة المتبعة، ولا بد لتصور الجهود العقلية من وجود طريقة متبعة في التفكير، ويختلف المفكرون فيما بينهم في هذه الطرق، وبالتالي تختلف النتائج التي يصلون إليها، أما المنهاج العلمي فهو " تلك المجموعة من القواعد والأنظمة العامة التي يتم وضعها من أجل الوصول إلى حقائق مقبولة حول ظاهرات موضوع الاهتمام من قبل الباحثين في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية"، وتعريف آخر "المنهاج العلمي هو عبارة عن أسلوب من أساليب التنظيم الفعالة المجموعة من الأفكار المتنوعة والهادفة للكشف عن حقيقة تشكل هذه الظاهرة أو تلك، ونوجز تعريفه فنقول: "إنه يجب ألا تقبل أي فكرة إلا إذا أيدها دليل مناسب".

ففي الرياضيات يكون الدليل المناسب عادة برهانا منطقيا، يستند إلى قوانين معترف بها، ويجري في خطوات استنتاجية، تعتمد كل منها على ما قبلها وتفضي إلى ما بعدها، ودروس الرياضيات الأساسية تستهدف معرفة هذه الأدلة وتسمى البراهين، وموازنتها ثم تعديلها وتقويتها حتى تصمد للمنطق الرياضي الصارم، وهو أروع نتاج الفكر الإغريقي الذي استنه أرسطو ونفذه إقليدس.

وفي العلوم التجريبية، يكون الدليل عادة تجربة علمية تختبر الفكرة أو تثبت صحتها أو بطلانها، والفكر الإغريقي لم يعده دليلا علميا، بينما رفعه الفكر العربي إلى المرتبة العلمية، وذلك من هدي القرآن الكريم، الذي يعد كل حقائق الكون آيات من آيات الله، ودلائل على وجوده وقدرته، وكان مما تعلمه الأوروبيون من الفكر الإسلامي هذا الدليل التجريبي، دعا إليه روجر بيكون ثم أعقبه فرنسيس بيكون.

نذكر أن ثمة حقائق لا نملك إقامة دليل على صحتها، سواء كان رياضيا أو تجريبيا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015