إن التجربة في التصور العلمي الحديث هي ملاحظة مستثارة، يتدخل أثناءها الباحث في تغيير الظروف التي يدرس فيها ظاهرته، وقد فطن العرب إلى التجربة قبل المحدثين من الغربيين بمئات السنين، وقد سماها "جابر بن حيان ت 198هـ/ 813م التدريب"، وكان ابن الهيثم يزاول التجربة العلمية مكملة للملاحظة الحسية وسماها "الاعتبار"، وقد نقل عنه روجر بيكون "Roger رضي الله عنهacon" في دراسته للبصريات، ورغم أن الكشف العلمي "الخزانة المظلمة ذات الثقب" في أوروبا يعود إلى القرن "السادس عشر" فإن ابن الهيثم قد ذكر في بحوثه كثيرا عبارة البيوت المظلمة ذات الثقب1.
كان مسلمة بن أحمد المجريطي "ت 397هـ/ 1006م" يوجب على المشتغل بالكيمياء أن يدرب يديه على التجارب وبصره على ملاحظة المواد الكيماوية وعقله على مزاولة التفكير فيها، وقد مهدت تجاربه ووصوله إلى قانون حفظ المادة، مهدت لبحوث كيميائية قام بها لافوازييه "Lavoisier" وبريستلي "Priestly" في هذا المجال.
لقد بدأ تمحيص التجربة العلمية والحرص على بيان العامل المؤثر، وتحديد القواعد التي تلزم مراعاتها في نص أورده ابن سينا "ت 428هـ/ 1036م" في الفصل الثاني من كتاب "القانون"، ومنه نستنتج أن ابن سينا لا يقنع باستخدام التجربة وإنما يحرص على تحديد قواعدها، وبين ما قاله ابن سينا في القانون وما قاله جون ستيوارت ميل "1290هـ/ 1873م" في كتابه "System of Logic" عن قواعد التثبت من صحة الفروض وخطئها صلة وثيقة.
إن ما ساعد العرب على الدقة في البحث استعمالهم الأدوات والأجهزة، كان بعضها اختراعا عربيا، وبعضها مقتبسا عن أسلافهم، والمعروف أن ابن الهيثم منشئ علم الضوء قد استعان بالكثير من الآلات في دراساته، وكاد يخترع العدسة المكبرة، فاستعان