عن وجه إلا لمتجرد له بكليته، ومتوفر عليه بأينيته، مكان بالقريحة الثابتة والرؤية الصافية، معترفا به التأييد والتسديد، قد شمر ذيله وأسهر ليله، حليف النصب، ضجيع التعب، يأخذ مأخذه متدرجا يتلقاه متطرفا، لا يظلم العلم بالتعسف والاقتحام، ولا يخبط منه خبط عشواء في الظلام، ومع هجران عادة الشر، والنزوح عن نزاع الطبع ومجانبة الألف، ونبذ المحاكلة واللجاجة وإحالة الرأي عن غموض الحق والتأتي بلطف المآتي، وتوفيته النظر حقه من التمييز بين المشتبه والمتضح والتفريق بين التمويه والتحقيق، والوقوف عند مبلغ العقول"1.

ويأمل المقدسي "ت 390هـ/ 999م" أن يقدم موضوعه منحطا عن درجة الغلو، خارجا عن حد التقصير، مهذبا من شوائب التزيد، معفى عن إسقاط الغسالات، وخرافات العجائز وتزاوير القصاص فموضوعات المهتمين المحدثين2.

وبهذه الروح يستهدي المقدسي3 في مقدمة كتابه أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" وقد كتبه في سنة "377هـ/ 987م" في حين يرى أن يسترشد أولا بالملاحظة الشخصية ثم بالكتب والمراجع وأخيرا فالبحث لا التأمل، والنظر هو الذي يحصل به المرء على العلم الدقيق بالعالم، وما أكثر الرسائل التي يستخدمها في الأسفار وجمع المعلومات4.

ومن قبله اليعقوبي "ت 284هـ/ 897م" بنفس ذلك الدافع الذي لا مرد إلى جمع المعلومات البكر التي لم يسبقه إليها إنسان، كان يسأل ويستكمل ذلك بالأسفار5.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015