وقد تطرد صحته تلك في الرياضيات، أما في العلوم الطبيعية والإنسانية فلا بد من الانتقال العكسي، أي من الأفراد والمفردات إلى الكلي العام، حتى يكون القياس سديدا، وكان لذلك أثره البعيد في العلوم العربية، إذ عد الاستقراء والملاحظة أصلين أساسيين فيها، وضمت إليها العلوم الطبيعية والتجريبية، وبذلك أمكن للعلوم العربية أن تنهض نهضتها العظيمة في كل مجال، وهي نهضة أعدت لازدهار علوم الطب والصيدلة بفضل التجارب الكثيرة التي كان يجريها الصيادلة والأطباء، وقل ذلك نفسه في الكيمياء والفلك، ومراصده الضخمة، وحتى في البحوث الأدبية كان أهم بحث أدبي عند العرب يتضح فيه تأثير المنطق الأرسطي والتأثر بمنهجه في كتاب "البرهان في وجوه البيان" لابن وهب الذي نشر خطأ باسم "نقد النثر" ونسب إلى قدامة1.
وعلى هذا النحو كان العرب يستضيئون بمنطق أرسطو حتى في بحوثهم الأدبية، مع محاولات خصبة للعناية بالجزئيات والمفردات واكتمال الاستقراء وصحة الاستنباط، واتسعوا في الملاحظات سعة شديدة، وهي تقابل في البحوث الأدبية والتجارب في البحوث العلمية عندهم، وظلوا مع ذلك يحتكمون إلى المنطق الأرسطي، مكثرين من القواعد والضوابط والأقيسة، وهم في كل ذلك يختلفون عن علماء العصور الوسطى الغربيين، ولا ريب في أنهم أخذوا يتعرفون بوضوح على العلم العربي في نهاية تلك العصور، فعرضوا بدقة ما تنادى به علماء العرب ومفكروهم من العناية بالاستقراء الكامل والملاحظة والتجربة، وعلى قبس أو أقباس من هذه المعرفة أخذ روجر بيكون "الفيلسوف الإنكليزي" "611-694هـ/ 1214-1294م" وليونارد دي فينشي "856-921هـ/ 1452-1515م" وغيرهما، ممن طالبوا باستخدام الملاحظة والتجريب وأدوات القياس للوصول إلى الحقائق، وعارضوا منهج أرسطو في القياس المنطقي.