إن تتبع مناهج البحث العلمي من القديم إلى الحديث يجعلنا نقول: إن أول من وضع البحث العلمي وطرق الاستدلال فيه والاستنباط هو أرسطو، وقد سمى منهجه باسم المنطق، إلا أن الطابع التأملي كان غالبا على تفكيره1، وقد تحدث فيه عن الكليات الخمس المعروفة: الجنس والنوع والفصل والخاصة والعرض، ومنها تتألف الحدود والتعاريف، وقد لعبت دورا كبيرا في جميع العلوم عند العرب، وإن أصبح العصر الحديث لا يعنى بها، لأنها كثيرا ما تكون مضللة، وخير منها التقسيم الذي يقوم على تحليل ما يراد تعريفه إلى عناصره وجزئياته وأفراده وأصنافه، وأهم من الكليات في منطق أرسطو اهتداؤه في الاستدلال إلى أنه يتألف من قضايا، فهي الوحدات التي يتخلل إليها، وينبغي أن ندرس أشكال وضروب تركيبها، من موجبة كلية وموجبة جزئية، وسالبة كلية وسالبة جزئية، ومن هذه القضايا تتكون مقدمة القياس، بحيث إذا كانت صادقة كان صادقا، وإذا كانت فاسدة فسد بفسادها2، فإذا قلنا: فلان إنسان وكل إنسان ناطق، تولد من القضية أو ترتب عليهما أن فلانا ناطقا.
اهتم العرب بمنطق أرسطو، أخذوا يترجمونه أولا ثم مضوا يشرحونه ويلخصونه في مصنفات كثيرة، واستلهموا هذا المنطق في وضع علومهم، واهتدى علماؤهم إلى أن القياس الأرسطي قياس رياضي، فهو يبدأ من العام الكلي ويطلبه في المفردات الجزئية.